وكان حكم داود وسليمان -عليهما السلام- بوحي عند بعض، ومنع الأنبياء من الاجتهاد؛ لاكتفائهم بالوحي، فكان حكم سليمان ناسخًا لحكم داود باجتهاد عند بعض؛ ليدركوا فضيلة المجتهدين، وجوز الخطأ عليهم؛ لأن المجتهد لا يقدر على إصابة الحق في كل حادثة، وأما العلماء، فلهم الاجتهاد في الحوادث إذا لم يجدوا فيها نص كتاب أو سنة، وإذا أخطأوا، فلا إثم عليهم.
وتقدم ذكر مذاهب الأئمة في جواز اجتهاد النبي - ﷺ - في أمر الدنيا، وحكم المجتهدين بعده في سورة التوبة عند ذكر قصة حنين، ومما يوضح أن داود وسليمان كانا على الصواب قوله: ﴿وَكُلًّا﴾ يعني: داود وسليمان.
﴿آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ الفهم في القضاء والنبوة.
قال الحسن: لولا هذه الآية، لرأيت الحكام قد هلكوا، ولكن الله تعالى حمد هذا بصوابه، وأثنى على هذا باجتهاده (١).
﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ يقدسن الله تعالى معهُ.
﴿وَالطَّيْرَ﴾ عطف على الجبال.
﴿وَكُنَّا فَاعِلِينَ﴾ قادرين على المذكور من التسبيح والتفهيم، وكان داود يفهم تسبيح الحجر والشجر، وكانت الجبال تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير.
...
_________
(١) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٧/ ٩٣)، و"السنن الكبرى" للبيهقي (١٠/ ١١٨).