وقال: أتغلق بابًا في وجه حج (١) بيت الله، فقال: إنما أردت حفظ متاعهم من السرقة، فتركه، فاتخذ الناس الأبواب.
قال ابن عطية: وقال جمهور من الأمة، منهم الإمام مالك: ليست الدور كالمسجد، ولأهلها المتاع بها، والاستبداد، وعلى هذا العمل اليوم، وهذا الخلاف متركب على الاختلاف في مكة، هل هي عَنْوة أو صلح؟ فمن رآها صلحًا، فإن الاستواء عنده في المنازل بعيد، ومن رآها عنوة، أمكنه أن يقول: الاستواء فيها قرره (٢) الأئمة الذين لم يُقطعوها أحدًا، وإنما سكنى من سكن من قبل نفسه (٣).
واختلف الأئمة في فتحها، فذهب مالك وأصحابه: إلى أنها فتحت عنوة بالسيف، وهو الصحيح من مذهب الإمام أحمد، وقال أبو حنيفة والشافعي: فتحت صلحًا.
واختلفوا في جواز بيع دور مكة وإجارتها، فقال أحمد: لا يجوز بيع رَباع مكة والحرم، وهي المنازل، ولا إجارتها؛ لأنها فتحت عنوة، وقال مالك: يجوز إجارتها وبيعها؛ لأن النبي - ﷺ - منَّ بمكة على أهلها، فلم تقسم، ولا سبي أهلها؛ لما عظم الله من حرمتها، ولكن الكراهة عنده في كراء دور مكة قوية؛ طلبًا للمواساة بها، وروي عنه أيضًا كراهة كرائها في أيام الموسم خاصة، وقال أبو حنيفة: لا بأس ببيع بناء بيوت مكة، ويكره بيع أرضها، وكذا الإجارة، وقال صاحباه أبو يوسف ومحمد بن الحسن:

(١) "حج" زيادة من "ت".
(٢) في "ش" "فيما قدره".
(٣) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٤/ ١١٦).


الصفحة التالية
Icon