﴿وَقَصْرٍ مَشِيدٍ﴾ مجصَّص من الشيد مرتفع محكم أخليته بإهلاك أربابه (١)، أفلم يعتبر كفار مكة بذلك؟
روي أن هذه البئر كانت بحضرموت في بلدة يقال لها: حاصوراء، وذلك أن أربعة آلاف ممن آمن بصالح -عليه السلام- نجوا من العذاب، فأتوا حضرموت، ومعهم صالح، فلما حضروه، مات صالح، فسمي: حضرموت؛ لأن صالحًا لما حضره (٢) مات، فبنوا حاصوراء، وقعدوا على (٣) هذه البئر، وأمَّروا عليهم رجلًا، فأقاموا دهرًا، وتناسلوا حتى كثروا، ثم إنهم عبدوا الأصنام وكفروا، فأرسل الله عز وجل إليهم نبيًّا يقال له: حنظلة بن صفوان، وكان حمالًا فيهم، فقتلوه في السوق، فأهلكهم الله، وعطلت بئرهم، وخربت قصورهم (٤).
...
﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (٤٦)﴾.
[٤٦] ﴿أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ﴾ يعني: كفار مكة، فينظروا إلى مصارع المكذبين من الأمم الخالية ﴿فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا﴾ أي: يعلمون بها، فيه دليل على أن العقل محله القلب، وهو قول المالكية والشافعية

= الجزري (١/ ٣٩٠ - ٣٩١)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ١٨٩).
(١) في "ت": "أربابها".
(٢) في "ت": "حضروه".
(٣) في "ش": "في".
(٤) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٢٢٤).


الصفحة التالية
Icon