(فَمَكَثَ) بفتح الكاف، والباقون: بضمها، لغتان (١)، المعنى: أن الهدهد أبطأ في غيبته قدرًا يسيرًا، فسأل سليمان عريفَ الطير النسرَ عن الهدهد، فقال: أصلح الله الملك، ما أدري أين هو، ولا أرسلته إلى مكان، فغضب وقال لسيد الطير العقاب: عليَّ به، فارتفع في الهواء، فرأى الهدهد قد أقبل من نحو اليمن، فانقض عليه (٢) فقال: بحق الذي قواك وأقدرك علي إلا رحمتني، ولم تتعرض لي بسوء، فقال: ويلك إن نبي الله قد حلف ليعذبنك، فتلقته الطيور وقالت: ويلك إن نبي الله قد توعدك، وحلف ليهلكنك، قال: وما استثنى؟ قالوا: بلى، إن لم تأت بسلطان مبين، فقال: نجوت إذًا، فجاء العقابُ سليمانَ بالهدهد، وقال: قد أتيتك به، فلما قرب الهدهد، رفع رأسه وأرخى ذنبه وجناحيه تواضعًا لسليمان، فأخذ برأسه وجذبه إليه بشدة، وتهدده، فقال: يا نبي الله! اذكر وقوفك بين يدي الله، فارتعد وعفا عنه، ولطف به؛ خوفًا من الله تعالى، ولئلا يلحقه العجب، وهو الداء العضال، ثم سأله عما لقي في غيبته.
﴿فَقَالَ أَحَطْتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ﴾ أي: علمت ما لم تعلم، وبلغت ما لم تبلغه أنت ولا جنودك (٣)، والإحاطة: العلمُ بالشيء من جميع جهاته.
﴿وَجِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ﴾ اسم أرض باليمن، أو رجل. قرأ أبو عمرو، والبزي عن ابن كثير: (سَبَأَ) بفتح الهمزة من غير تنوين، وروى قنبل عن ابن

(١) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٦٧)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٣٩٤)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٣٧)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٤٣).
(٢) "عليه" زيادة من "ت".
(٣) انظر: "تفسير البغوي" (٣/ ٣٩٢ - ٣٩٤).


الصفحة التالية
Icon