فأمر سليمان الأرضة، فأخذت شعرة ودخلت في الدرة حتى خرجت من الجانب الآخر، ودخلت دودة أخرى بخيط في الخرزة المثقوبة حتى خرجت من الجانب الآخر، فجمع بين طرفيه، وختمه، ودفعها إليهم، وميز بين الجواري والغلمان بأن أمرهم بغسل وجوههم وأيديهم، فكانت الجارية تأخذ الماء بإحدى يديها وتجعله على اليد الأخرى، والغلام يأخذ من الآنية يضرب به وجهه، فلما اعتبر الهدية.
﴿قَالَ أَتُمِدُّونَنِ﴾ أتزيدونني ﴿بِمَالٍ﴾ وأكثر استعمال الإمداد في المحبوب، والمد في المكروه.
﴿فَمَا آتَانِيَ اللَّهُ﴾ من النبوة والملك ﴿خَيْرٌ مِمَّا آتَاكُمْ﴾ من الدنيا، ثم أضرب عن إنكاره عليهم مبينًا سبب حملهم على الإمداد.
فقال: ﴿بَلْ أَنْتُمْ بِهَدِيَّتِكُمْ تَفْرَحُونَ﴾ لفخركم بزخارف الدنيا (١)، المعنى: إن الله تعالى أعطاني نبوة وملكًا لا مزيد عليه، فلا حاجة بي إلى دنياكم، بل حاجتي إلى إيمان قومكم. قرأ حمزة، ويعقوب: (أَتُمِدُّونِّي) بنون واحدة مشددة وإثبات الياء، وقرأ الباقون: بنونين خفيفتين، وأثبت الياء وصلًا نافع، وأبو جعفر، وأبو عمرو، وفي الحالين: ابن كثير، ويعقوب، وحمزة (٢)، إلا أن حمزة ويعقوب يدغمان النون كما تقدم، وقرأ نافع،

(١) "الدنيا" ساقطة من "ش".
(٢) انظر: "التيسير" للداني (ص: ١٧٠)، و"تفسير البغوي" (٣/ ٤٠١)، و"النشر في القراءات العشر" لابن الجزري (٢/ ٣٤٠)، و"معجم القراءات القرآنية" (٤/ ٣٥٢).


الصفحة التالية
Icon