﴿مِنَ الْغَابِرِينَ﴾ الباقين في العذاب، وغَبَر بمعنى: بقي، وقد يجيء أحيانًا في بعض كلام العرب يوهم أنه بمعنى مضى.
...
﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ (٥٨)﴾.
[٥٨] ﴿وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا﴾ وهي حجارة السجيل، أهلكت جميعهم.
قال ابن عطية: وهذه الآية أصلًا لمن جعل من الفقهاء الرجم في اللوطية، وبها تأنس؛ لأن الله عذبهم على كفرهم به، وأرسل عليهم الحجارة لمعصيتهم، ولم يقس هذا القول على الزنا، فيعتبر الإحصان (١).
وتقدم الكلام على ذلك مستوفىً في سورة النساء، وملخصه: أن مذهب مالك -رحمه الله- رجم الفاعل والمفعول به، أحصنا أو لم يحصنا، ومذهب الشافعي وأحمد حكمه كالزنا، فيه الرجم مع الإحصان، والجلد مع عدمه، ومذهب أبي حنيفة: يعزر، ولا حد عليه؛ خلافًا لصاحبيه، وعن أحمد رواية أن من تلوط بغلام، قُتل، بكرًا كان أو ثيبًا؛ لقوله - ﷺ -: "من وجدتموه يعملُ عملَ قومِ لوط، فاقتلوا الفاعلَ والمفعولَ به" (٢)، ولكن

(١) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٤/ ٢٦٥).
(٢) رواه أبو داود (٤٤٦٢)، كتاب: الحدود، باب: فيمن عمل عمل قوم لوط، والترمذي (١٤٥٦)، كتاب: الحدود، باب: ما جاء في حد اللوطي، وابن ماجه (٢٥٦١)، كتاب: الحدود، باب: من عمل عمل قوم لوط، والإمام أحمد في "المسند" (١/ ٣٠٠)، وغيرهم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.


الصفحة التالية
Icon