لإحداهما: اذهبي فأتيني به ﴿فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ﴾ واضعة كم درعها على وجهها حياء منه، فأومأت إليه.
﴿قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا﴾ أجرَ سقيك، فقام موسى، ومرت المرأة بين يديه، فكشفت الريح عن ساقيها، فقال لها موسى: تأخري ورائي، ودليني على الطريق، فتأخرت، وكانت تقول: عن يمينك، وشمالك، وقدامك، حتى وقف على باب شعيب (١)، فلما ردت المرأة لأبيها، وأخبرته، فأذن له بالدخول، وشعيب يومئذ شيخ كبير، وقد كُفَّ بصره، فسلم موسى عليه، فرد عليه السلام، وعانقه، ثم أجلسه بين يديه، وكان قد هُيئ العشاء، فقال: اجلس يا شاب فتعش، فقال: معاذ الله، فقال شعيب: ألست جائعًا؟ قال: بلى، ولكن أخاف أن يكون عوضًا عما سقيت لهما، وإنا أهل بيت لا نطلب على عمل من أعمال الآخرة عوضًا من الدنيا، فقال شعيب: لا والله يا شاب، ولكنها عادتي وعادة آبائي، نَقْري الضيف، ونطعم الطعام، فأكل على اسم الله، فلما فرغ من أكله، حمد الله، وأثنى عليه بالجميل، ثم سأله شعيب عن حاله وقصته.
﴿فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ﴾ من حين مولده إلى حين جاءه.
﴿قَالَ﴾ له شعيب: ﴿لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ يعني: فرعون وقومه؛ لأنه لم يكن له سلطان على مدين.
...