ثم قال: اللهمَّ ربَّ السمواتِ وما أَظْلَلْنَ، وربَّ الأَرَضِينَ وما أَقْلَلْنَ، وربَّ الشياطينِ وما أَضْلَلْنَ، وربَّ الرياح وما ذَرَيْنَ، نسألك خيرَ هذه القرية وخيرَ أهلها، ونعوذ بك من شرها وشر أهلها وشر ما فيها، أقدموا باسم الله"، ونزل عليها ليلًا، وكان إذا غزا لم يُغر حتى يصبح، فإن سمع أذانًا، كفَّ عنهم، وإن لم يسمع أذانًا، أغار عليهم، فلما أصبحوا، خرجوا إلى عملهم بمكاتلهم ومساحيهم، فلما رأوه عادوا وقالوا: محمدٌ والخميس، يعنون: الجيش، فقال النبي - ﷺ -: "الله أكبرُ خربتْ خيبر، إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساءَ صَباحُ المنذَرين"، ثم حاصرهم وضيق عليهم، فخرج ملكهم مرحب يخطر بسيفه ويقول:

قدْ علمتْ خيبرُ أَني مَرْحَبُ شاكي السلاح بطلٌ مجرَّبُ
أطعنُ أحيانًا وحينًا أضربُ إذا الليوثُ أقبلتْ تلتهب
فبرز إليه عامر وقال:
قد علمتْ خيبرُ أني عامرُ شاكى السلاح بطلٌ مغامرٌ
فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، وذهب عامر يسفل له، فرجع سيفه على نفسه فقطع أكحله، فكانت فيها نفسُه، فمات رضي الله عنه فقال النبي - ﷺ -: "له أجرُه مرتين"، وكان علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- قد تخلف بالمدينة لرمد لحقه، فلما أصبحوا، جاء علي، فتفل النبي - ﷺ - في عينيه، فما (١) اشتكى رمدًا بعدها، فلما مات عامر، برز علي لمرحب بعد أن أعطاه رسول الله - ﷺ - الراية، وقال رضي الله عنه:
(١) في "ت": "فلما".


الصفحة التالية
Icon