جميع رحلها فما وجدوا شيئًا، فقال بعضهم: ما معها كتاب، فقال علي: ما كذب رسولُ الله - ﷺ -، واللهِ لتخرجِنَّ الكتاب، وإلا لأجردَنَّك ولأضربَنَّ عنقَك، فأخرجته من ذؤابتها، قد خبأته في شعرها، فخلوها، ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله - ﷺ -، فاستحضر حاطبًا، وقال: "ما حَمَلَكَ عليه؟ فقالَ: ما كفرتُ منذ أسلمتُ، ولا غششتك منذ نصحتُك، ولكني كنتُ امرأً ملصَقًا في قريش، وليس فيهم من يحمي أهلي، فأردت أن آخذ عندهم يدًا يرعوني بها في قرابتي، وقد علمت أن كتابي لا يغني عنهم شيئًا، فقال عمر بن الخطاب -رضي الله عنه-: دعني يا رسول الله أضربْ عنقَ هذا المنافق، فقال رسول الله: - ﷺ - صدقَ حاطبٌ إنه من أهل بدر، وما يدريك يا عمرُ لعلَّ الله قد اطَّلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم، فقد غفرتُ لكم، لا تقولوا لحاطب إلا خيرًا" (١).
وروي أن حاطبًا كتب أن رسول الله - ﷺ - يريد غزوكم مثل (٢) الليل والسيل، وأقسم بالله، لو غزاكم هو وحده، لنصر عليكم، فكيف وهو في جمع كثير؟! فنزل في شأن حاطب:
﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا﴾ (٣) مفعولُه الأول ﴿عَدُوِّي﴾ ويعطف عليه ﴿وَعَدُوَّكُمْ﴾ والثاني ﴿أَوْلِيَاءَ﴾ والعدو: اسم يقع للجمع والمفرد، والمراد هنا: كفار قريش.
(٢) في "ت": "في حكم".
(٣) انظر: "المحرر الوجيز" لابن عطية (٥/ ٢٩٣)، و" "تفسير الثعالبي" (٤/ ٢٩٠).