وسأله عن حاجته، فذكر عبد المطلب أباعِرَه الّتي أُخذت له، فقال له أبرهة؛ إنِّي كنت أظن أنك تطلب مني أن لا أخرب الكعبةَ الّتي هي دينُك، فقال عبد المطلب: أنا ربُّ الأباعر فأطلبُها، وللبيت ربٌّ يمنعه، فأمر أبرهة بردِّ الأباعر عليه، فأخذها عبد المطلب وانصرف إلى قريش، ولما قرب أبرهة من مكّة، وتهيأ لدخولها بجيوشه، ومقدمها الفيل، بقي كلما قَبَّل فيلَه مكّة، ينام ويرمي نفسه إلى الأرض، ولم يسر، فإذا قبَّلوه غيرَ مكّة، قام يهرول.
وبينما هم كذلك، إذ أَرسل عليهم طيرًا أبابيل أمثالَ الخطاطيف، مع كلّ طائر ثلاثة أحجار في منقاره ورجليه، فقذفتهم بها، وهي مثل الحِمِّص والعَدَس، فلم تصب منهم أحدًا إِلَّا هلك، وليس كلَّهم أصابت، ثمّ أرسل الله تعالى سيلًا، فألقاهم في البحر، والذي سلم منهم ولَّى هاربًا مع أبرهة إلى اليمن يتبدر الطريق، وصاروا يتساقطون بكل مَنْهَل، وأصيب أبرهة في جسده، وسقطت أعضاؤه، ووصل إلى صنعاء كذلك ومات، ولما وقع ذلك، خرجت قريش إلى منازلهم، وغنموا من أموالهم شيئًا كثيرًا، وكان هذا عام مولد النّبيّ - ﷺ - في نصف المحرم، وولد - ﷺ - في شهر ربيع الأوّل، فبين الفيل وبين مولده الشريف خمس وخمسون ليلة، وهي سنة ستة آلاف ومئة وثلَاث وستين من هبوط آدم -عليه السّلام- على حكم التوراة اليونانية المعتمدة عند المؤرخين، وبين قصة الفيل والهجرة الشريفة النبوية ثلاث وخمسون سنة (١).
* * *