وكان فتح مكّة يوم الجمعة لعشر بقين من رمضان سنة ثمان من الهجرة الشريفة، وأقام رسول الله - ﷺ - بمكة بعد فتحها خمس عشرة ليلة يقصر الصّلاة، ثمّ خرج إلى هوازن وثقيف، وتقدم اختلاف الأئمة في حكم فتحها، هل هو صلح أو عَنوة؟ وحكمُ بيع دورها في سورة الحجِّ.
ولما دخل رسول الله - ﷺ - مكّة، كان على الكعبة ثلاث مئة وستون صنمًا، قد شد لهم إبليس أقدامها بالرصاص، فجاء ومعه قضيب، فجعل يومي إلى كلّ صنم منها، فيخرُّ لوجهه، فيقول: ﴿وَقُلْ جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا﴾، حتّى مر عليها كلِّها، وكان على رأسه - ﷺ - عِمامة سوداء، فوقف على باب الكعبة وقال: "لا إلهَ إِلَّا اللهُ وحدَه، صدقَ وعدَه، ونصرَ عبدَه، وهزمَ الأحزابَ وحدَه، ألَّا إنَّ كلّ مأثورة أو دم أو مال يُدَّعى فهو تحت قدميَّ هاتين، إِلَّا سدانةَ الكعبة، وسقايةَ الحاج"، ثمّ قال: "يا معشر قريش! ما ترون أني فاعل بكم؟ "، قالوا جميعًا: خيرًا، أخ كريم، وابن أخ كريم، فقال: "أقول كما قال أخي يوسف: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ﴾ الآية [يوسف: ٩٢]، ثمّ قال: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، فأعتقهم رسول الله - ﷺ -، ثمّ طاف بالبيت سبعًا على راحلته، واستلم الركن بمِحْجَن كان في يده، ودخل الكعبة، ورأى فيها الشخوص على سورة الملائكة، وصورةَ إبراهيم (١) وفي يده الأزلامُ يستقسم بها، فقال: "قاتَلَهُمُ الله! جعلوا شيخنا يستقسِمُ بالأزلام، ما شأنُ إبراهيمَ والأزلام؟! "، ثمّ أمر بتلك الصور فطُمست، وصلَّى في البيت، ثمّ جلس على الصفا، وعمرُ بنُ الخطّاب أسفلَ منه يأخذ على النَّاس، وبات النَّاس على السمع والطاعة لله ورسوله،

(١) من قوله: "وتعلو ولا تعلى" (ص: ٤٣٩) إلى هنا سقط من "ش".


الصفحة التالية
Icon