عنقه وقدموه ليضربوا عنقه وقال لهم: هل لكم أن أفتدي نفسي منكم فجعل يفتدي نفسه منهم بالقليل والكثير حتى فك نفسه. وأمركم بذكر الله كثيرا، وإن مثل ذلك كمثل رجل طلبه العدو سراعا في أثره فأتى حصنا حصينا فتحصن به وإن العبد أحصن ما يكون من الشيطان إذا كان في ذكر الله. قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وأنا آمركم بخمس؛ الله أمرني بهن: الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فإنه من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه إلا أن يراجع، ومن دعا بدعوى جاهلية فهو من جثي جهنم قالوا: يا رسول الله، وإن صام وصلى؟ فقال:
وإن صلى وصام وزعم أنه مسلم، فادعوا المسلمين بأسمائهم على ما سماهم الله عزّ وجل المسلمين المؤمنين عباد الله».
٢ - قوله تعالى فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ يعم كل سورة في القرآن طويلة كانت أو قصيرة لأنها نكرة في سياق الشرط فتعم، كما هي في سياق النفي عند المحققين من الأصوليين كما هو مقرر في موضعه، فالإعجاز حاصل في طوال السور وقصارها، فكل سورة من القرآن معجزة، لا يستطيع البشر معارضتها طويلة كانت أو قصيرة، بل ما كان في حجم السورة القصيرة من السور الطوال، يقوم به الإعجاز وتثبت به الحجة.
ولقد تحدى القرآن العرب- والتحدي للعرب تحد للناس جميعا من باب أولى؛ لأنهم أفصح الأمم والقرآن بلغتهم- مرات عديدة أن يأتوا بشيء مثله، ومع شدة عداوتهم له وبغضهم لهذا الدين عجزوا عن ذلك. ولقد قال تعالى فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا ولن: تفيد النفي المؤبد في المستقبل أي: ولن تفعلوا ذلك أبدا، وهذه أيضا معجزة أخرى، وهو أنه أخبر خبرا جازما قاطعا مقدما غير خائف ولا مشفق أن هذا القرآن لا يعارض بمثله أبد الآبدين ودهر الداهرين. وكذلك وقع الأمر، لم يعارض من لدنه إلى زماننا هذا ولا يمكن، وأنى يتأتى ذلك لأحد؛ والقرآن كلام الله خالق كل شئ وكيف يشبه كلام الخالق كلام المخلوقين، ومن تدبر القرآن وجد فيه من وجوه الإعجاز وجوها ظاهرة وخفية من حيث اللفظ ومن جهة المعنى وسنرى ذلك في هذا التفسير حيث جاءت مناسبة. في الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: «ما من نبي من الأنبياء إلا قد أعطي من الآيات ما آمن على مثله البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحيا أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة» اهـ. وذلك لأن معجزات الرسل خارجة عن ماهية الوحي أما في رسالة رسولنا فالقرآن نفسه معجزة بل معجزات.