وَما يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفاسِقِينَ، الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ.. وهذا يؤيد ما اتجه إليه أهل السنة والجماعة في مسألة خلق الأفعال في أنهم يثبتون الأسباب ويسندون الخلق لله، فكل شيء بعلمه جل جلاله وإرادته وقدرته ابتداء واستمرارا، ولقد رأينا النقول التي نقلناها بمناسبة قوله تعالى فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْداداً وكيف أن الصحابة اعتبروا من مخلات التوحيد الاعتماد على الأسباب أو نسبة الأفعال إليها دون ملاحظة أن ذلك لم يكن إلا بالله.
وأهل السنة والجماعة يرون أن الإيمان هو التصديق، ويعتبرون العمل بالإسلام علامة كمال، ومن ثم فلا يحكمون بكفر من صدق إذا أخل إلا إذا كان في تصديقه خلل، أو أتى ناقضا يخل بأصل الإيمان، ومن أدلتهم على ذلك قوله تعالى: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فالعطف في اللغة العربية يقتضي المغايرة، ومن ثم فإن العمل الصالح غير الإيمان.
ولعل أحدا من الناس يضايقه ذكر مثل هذه المعاني ولهؤلاء نقول: إننا لسنا أمام خيار، فلقد ثارت هذه المسائل في التاريخ وأثيرت وإما أن نقدم للمسلمين اليوم خلاصة التحقيق فيها ليكون عند المسلم مناعة ضد الخطأ، أو نسكت فيقع المسلم في الاتجاهات الخاطئة، ونحيل المسلم على رسالتنا «جولات في الفقهين الكبير والأكبر» ليرى فيها ضرورة ما ذكرنا.

فصل في بعض دروس مقدمة السورة والمقطع الأول من قسمها الأول:


رأينا في المقطع أن الله عزّ وجل أقام الحجة على الكافرين من خلال ظاهرتي الحياة والعناية، وأقام الحجة على وجوب عبادته وتوحيده من خلال ظاهرتي الخلق والعناية، وعرفنا على أسباب الضلال ومظاهره، وعرفنا على طريق الهداية ومعالمها، وطرق سمعنا خلال ذلك قضية التقوى وقضية العبادة كأهم قضيتين على الإطلاق، ونحب هنا أن نضع بعض الأطر لنعرف محل قضية التقوى والعبادة في مجموع دين الله.
١ - ما من قضية من قضايا التكليف إلا وقد بينها الله عزّ وجل في كتابه أو سنة رسوله ﷺ أو بما أحال عليه الكتاب والسنة من أصول تستنبط منها أحكام الله، وأن مجموع ذلك وغيره إنما هو إسلام أو من الإسلام.
٢ - إن أركان الإسلام الذي يقوم عليه بناؤه خمسة، وقد ذكرت الفقرة الأولى من مقدمة سورة البقرة ثلاثا منها.


الصفحة التالية
Icon