أمر إذا قام فيه مقامه بعده. عن ابن مسعود: أن الله قال للملائكة: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قالوا: ربنا وما يكون ذاك الخليفة؟ قال: يكون له ذرية يفسدون في الأرض ويتحاسدون ويقتل بعضهم بعضا. قال ابن جرير: فكان تأويل الآية على هذا:
إني جاعل في الأرض خليفة مني يخلفني في الحكم بالعدل بين خلقي، وإن ذلك الخليفة هو آدم ومن قام مقامه في طاعة الله والحكم بالعدل بين خلقه. وأما الإفساد وسفك الدماء بغير حقها فمن غير خلفائه. قالُوا أي الملائكة أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ، وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قالَ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ. أخبرهم بذلك ليسألوا هذا السؤال فيجابون بما أجيبوا به فيعرفوا حكمته في استخلاف الإنسان قبل كونه، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك يقولون: يا ربنا ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء؟ فإن كان المراد عبادتك فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك ولا يصدر منا شئ من ذلك وهلا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ: أي إني أعلم من المصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء وأرسل فيهم الرسل، ويوجد منهم الصديقون والشهداء والصالحون والعباد والزهاد والأولياء والأبرار والمقربون والعلماء والعاملون والخاشعون والمحبون له تبارك وتعالى المتبعون رسله صلوات الله وسلامه عليهم. وإنما عرفوا أن الخليفة الجديد سيفسد في الأرض ويسفك الدماء إما بإخبار من الله تعالى، أو من جهة اللوح، أو قاسوا ما سيكون على شئ معروف لديهم من قبل، ومعنى: نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ أي ننزهك ونبرئك من كل نقص وعيب متلبسين بالشكر لك، ومعنى: نُقَدِّسُ لَكَ أي ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس.
وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ، فَقالَ: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ، قالُوا: سُبْحانَكَ لا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ علم آدم أسماء المسميات كلها، فأراه الأجناس التي خلقها وعلمه أن هذا اسمه فرس، وهذا بعير، وهذا سحاب، وهذه مجرة، وهذه شمس، وهذا نجم، حتى القصعة والمغرفة، ثم عرض المسميات على الملائكة وطالبهم أن يخبروه عن أسمائها إن كانوا صادقين في ما اتجهوا إليه أنه يستخلف مفسدين سفاكين للدماء، وفيه رد عليهم، وبيان أن فيمن يستخلفه من الفوائد العلمية التي هي أصول الفوائد كلها ما يستأهلون لأجله