ترى إذا كانت النصوص الواردة في شأن الجن والشياطين تؤول كلها على أنها ليست من باب الحقائق وإنما هي رموز لمعان فأي حقيقة إذن لا تؤول؟ إنه الكفر بالنصوص وليس التأويل لها.
إن الشيطان ذات من الذوات الغيبية نؤمن بوجودها، كما نؤمن بكل غيب أخبرتنا عنه النصوص، وموقفنا منه هو الموقف الذي أمرتنا به النصوص، والقلب المؤمن الحي يميز بين نوعين من الإلقاءات يحسها في قلبه: إلقاء نفسه وهواجسها، وإلقاء الشيطان ووساوسه.
إن المسلم الذي يعلم أن هذا القرآن لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، يعلم أن ما حدثه عنه القرآن هو الحق، ويحاول دائما أن يبحث عن الفهم الصحيح لكتاب الله ولذلك قواعده التي لا تخطئ.
ولقد حاول بعض الكتاب في عصرنا أن يعطي الشيطان صفة البطولة في مواقفه النضالية ضد آدم، وفي الاعتراض على الله، وذلك من باب قوله تعالى في سورة الأنعام: وَإِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. وحاول بعضهم أن يشكك من خلال: أن موقف إبليس كان بإرادة الله، وذلك من باب التشويش لأن كون الأشياء كلها بإرادة الله لا ينفي اختيار المكلف، ولقد كان إبليس مختارا في موقفه فاستحق العقوبة، وموضوع اختيار المكلفين، وأن ذلك وغيره بإرادة الله، موضوع سيمر بنا فلا نقف عنده هنا، إذ إن خطتنا في هذا التفسير ألا نقف عند كل مقام إلا بالقدر الذي يقتضيه المقام، وموضوع الجن والشياطين سيمر معنا كثيرا فلنقتصر على هذا القدر فيه.
فصل في رفض الداروينية كتعليل لنشأة البشر:
إن نظرية داروين أصبحت منقوضة بأكثر من علم، إن دراسة السائل المغذي للكائن الحي ليست لصالح نظرية داروين، وإن حسابا رياضيا لتعميم الأجناس على ضوء نظرية داروين ليس لصالحها، وإن نظام الوراثة وخصائصها وقوانينها ليس لصالح هذه النظرية، وإن دراسة المستحاثات ليست لصالح هذه النظرية، فالنظرية أصبحت منقوضة من جوانب شتى، وحتى لو لم تكن منقوضة فإن قصارى ما يمكن أن تقدمه مجموعة ملاحظات، وليس شرطا أن يكون لهذه الملاحظات تعليل وحيد.