وقد كنت أحس بضرورة وجود الكتاب الذي يخدم في هذه الشئون، وغيرها مما رأيناه وسنراه، ولكن ما العمل؟ ولم أكن أستطيع وخاصة في المراحل الأولى من سجني أن أصل إلى أي كتاب إلا بصعوبة شديدة، ومن ثم لم أكن أطمع في أن أقدم خدمة مستوعبة في شأن السنة تحقق كل الأمور التي أعتبرها احتياجات عصرنا، كما لم يكن بإمكاني أن أقدم التحقيق المناسب الذي يخدم أغراض هذه الاحتياجات، ومن ثم فقد رأيت أن أعمل بقدر المستطاع المتاح، مما سنرى حدوده في مقدمة الكلام عن القسم الثاني من هذه السلسلة، وهو بفضل الله كثير طيب. هذه مجمل أمور في شأن الكتاب والسنة أعتبرها من احتياجات عصرنا، وأرجو أن أكون قد قدمت خدمة لا بأس بها فيها ويأتي القسم الثالث ليضع الأساس في ضبط مسار الفهم.
ولئن كان المشتغلون قديما في خدمة الكتاب والسنة يفترضون في الغالب أنهم يخاطبون إيمانا كاملا، وبالتالي فإنهم لا يتكلفون كثيرا لما يخدم قضية الإيمان؛ فإنني أعتبر أن من واجبات العصر أن نلاحظ قضية الإيمان: إن في عرض المعاني، أو إبراز ما يلزم لذلك.
ففيما يتعلق بعرض السنة فإنه ينبغي على الباحث أن يلاحظ هذا الموضوع حتى في عملية ترتيب أبحاث السنة.
وأما بالنسبة للتفسير فإذا لم تخدم قضية الإيمان فيه في عصرنا المادي والشهواني فكأن المفسر لم يفعل شيئا، إن الله عزّ وجل يقول: وَإِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً. فالأصل الأصيل هو أن يتعمق الإيمان بتلاوة الآيات، وعلى المفسر أن يساعد في ذلك.
إن كثيرا من التفاسير- كما قلنا- يفترض سلامة الإيمان وكماله، ومن ثم يركز على النكت والشروح والفوائد ومناقشة الخصوم، وكل ذلك له فوائده، ولكن هذا التفسير يريد صاحبه أن يكون أداة لرفع درجات اليقين، بحيث لا يخلص القارئ من صفحة إلى صفحة إلا وقد ارتقى يقينه، هذا مع تصحيح التصورات وزيادة العلم.
إن من أهداف هذه السلسلة خدمة قضية زيادة الإيمان، وإصلاح الاعتقاد والعمل.
ولقد حرصت على أن أربط بين أقسام هذه السلسلة برباط، مع أنه جرت عادة المؤلفين أن يخصوا الكتاب بالتأليف وكذلك السنة وكذلك الأصول دون أن يتكلف