وسنعطي قضايا الحكم العقلي والشرعي والعادي، وأصول ذلك وصلة ذلك بالنصوص أهمية خاصة.
هذا كله مراعى في تأليف هذه السلسلة ودافع نحو تأليفها غير أن هناك أسبابا بعينها كانت هي الأقوى في الدفع نحو هذا التأليف وهذه هي:
تعتبر العصور المتأخرة ومنها عصرنا عصور الامتحان لكل شئ؛ لأن الإنسان في الغالب قد شك في كل شئ، خاصة وأن الشعوب التي ملكت السيطرة المادية على العالم، والتي أصبحت نتيجة لذلك هي التي تصدر الأفكار وتدعو إليها وتفلسفها، وتحاول- سواء كانت رأسمالية أو شيوعية- أن تصوغ الأمور بالقالب الذي تريد.
إن هذه الحكومات والشعوب جعلت كل شئ محل امتحان في الظاهر، ولكنها في الواقع قد أصدرت أحكامها سلفا في كثير من الأمور، وتحاول باسم الامتحان أن توصل الناس إلى ما تريد في الاعتقاد والسلوك وغير ذلك، وارتبط ذلك كله بعملية تناحر هائلة جبارة على المواد الخام وعلى السيطرة على العالم، وبقضية الصراع من أجل البقاء، ومن ثم فقد سخر في عملية الامتحان الظاهري للأشياء وفي عملية صبغ الأشياء بالفكر المسبقة، سخر لهذا الموضوع من الإمكانات والطاقات ما لا يخطر بالبال، فأصبحت الأشياء كلها محل امتحان وكادت تتغير كل المسلمات القديمة لدى أكثر الناس، والقليل من الناس هم الذين بقوا في مثل هذا الجو الضاغط الفظيع محتفظين بمسلماتهم، وقليل من هذا القليل هو الذي احتفظ بالمسلمات على بصيرة. وأمام هذا كله لا بد من عرض شامل واستعراض كامل لنصوص الإسلام التي هي بالدليل والبرهان تشكل المسلمات الوحيدة الصحيحة في هذا العالم، أو أنها وحدها الميزان الصحيح الذي توزن به المسلمات.
هذه النصوص التي هذا شأنها والتي ليس أمام أحد خيار إلا قبولها والتسليم لها، وهذا العرض الشامل والاستعراض الكامل هما أول دافع قوي نحو إصدار هذه السلسلة؛ لأنه بدون العرض الشامل والاستعراض الكامل تبقى ثغرات كبيرة يمكن أن ينفذ من خلالها المشككون، فتسهل بدون ذلك عملية سقوط المتشككين، فضلا عن كون ذلك واجب العصر، إذ لكل عصر واجبات على أهل الحق، يقتضيها حق العصر وهذه إحدى أهم واجبات هذا العصر.