فيقع بذلك فساد عريض من عدم الاحتراز منهم، ومن اعتقاد إيمانهم وهم كفار في نفس الأمر، وهذا من المحذورات الكبار أن يظن بأهل الفجور خير. ولما كنا لا نعرف المنافق إلا من سيماه وفلتات لسانه كما قال تعالى: وَلَوْ نَشاءُ لَأَرَيْناكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيماهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ (سورة محمد) فقد بين الله لنا هنا حقيقة المنافق، وأعطانا نماذج من كلامه وتصرفاته، ثم ضرب لنا الأمثلة عليه لتتضح الحال تماما، لأن النفاق أخطر شئ على الأمة، ولذلك قال عليه الصلاة والسلام «أخوف ما أخاف على أمتي منافق عليم اللسان... » وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ: ادعى المنافقون إحاطتهم بجانبي الإيمان أوله وآخره، وهذا لأن حاصل المسائل الاعتقادية يرجع إلى المبدأ، وهي العلم بالخالق وصفاته وأسمائه وأفعاله ومسائل المعاد وهي: العلم بالنشور والبعث من القبور والصراط والميزان وسائر أحوال الآخرة. وفي تكرار الباء إشارة إلى أنهم ادعوا كل واحد من الإيمانين على صفة الصحة والاستحكام، وقد نفي الله عزّ وجل إيمانهم على أبلغ وجه، إذ أخرج ذواتهم من أن تكون من المؤمنين، فقال:
وَما هُمْ بِمُؤْمِنِينَ. ولليوم الآخر تعريفان:
الأول: هو الوقت الذي لا حد له، وهو الأبد الدائم الذي لا ينقطع، وإنما سمي بالآخرة لتأخره عن الأوقات المنقضية.
الثاني: هو الوقت المعهود من النشور إلى أن يدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار.
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا الخداع: إظهار غير ما في النفس على نية الغش وَما يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَشْعُرُونَ النفس: ذات الشئ وحقيقته، ثم قيل للقلب والروح نفس لأن النفس بهما، وقيل للدم نفس لأن قوام النفس بالدم، وقيل للماء نفس لفرط حاجة النفس إليه، والمراد بالأنفس هاهنا ذواتهم، والمعنى أنهم بمخادعتهم الله والمؤمنين لا يخدعون في الحقيقة إلا أنفسهم لعود أضرار ذلك عليهم، فالخداع لاحق بهم لا يعدوهم إلى غيرهم ولكنهم لا يشعرون أن حاصل خداعهم يرجع إليهم، والشعور: علم الشئ علما حسيا، ومشاعر الإنسان في الأصل حواسه لأنها آلات الشعور. والمعنى أن لحوق ضرر الخداع بهم كالمحسوس، وهم للتمادي في غفلتهم كالذي لا حس له.
فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ: المرض هنا هو الشك والنفاق، لأن الشك تردد بين الأمرين والمنافق متردد، كما أن المريض متردد بين الحياة والموت ولأن