الأذن لا يغني من الصاعقة شيئا، ومع شدة لمعان البرق فينقدح في قلوبهم نور إضافي فإنهم لا يستفيدون منه إلا قليلا لما يعقبه من ظلام. فهؤلاء إذا ظهر لهم شئ من الإيمان استأنسوا به واتبعوه، ثم تعرض لهم الشكوك فتظلم قلوبهم، فيقفون حائرين، وقد حذر الله المنافقين بأسه وسطوته وأخبرهم أنه بهم محيط وعلى إذهاب أسماعهم وأبصارهم قدير فإن الله على كل ما أراد بعباده من نعمة أو نقمة أو عفو أو عقاب أو غير ذلك قدير.
ويمكن أن يقال في المثل:
المطر يحيي الأرض وينزل من السماء، والإسلام يحيي القلوب وقد نزل من السماء، والمطر في الليل يرافقه ظلمات ورعد وبرق، وهؤلاء المنافقون بسبب ليل قلوبهم؛ صار الإسلام بالنسبة لهم ظلمة ورعدا وبرقا، فشبه الكافرين والمنافقين ظلمات تحيط بهم والتهديدات تقرع آذانهم فتخيفهم، ولشدة ضوء الحق فإنه يظهر لهم نور فيسيرون به قليلا ثم تحيط بهم الظلمة من جديد فيقفون.
هذا المثل من غوامض الأمثال القرآنية، والأمثال في القرآن كما قال الله تعالى في سورة (العنكبوت): وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ ونادرا ما تجد شرحا مبسطا في كتب التفسير لهذا المثل، وإذ كان ظهور هذا المثل في عصرنا أكثر من ظهوره في بقية العصور فإننا نستطيع أن نقول:
إن هناك مسلمين بحكم النشأة والبيئة، وجدوا في عصرنا المليء بالشبه والدعوات الضالة، ولم يتح لهم أن يسيروا في طريق الإيمان حتى يحققوه في قلوبهم، فبقيت قلوبهم فيها إيمان ونفاق، أو إيمان وكفر، فتارة تأتيهم حجة من حجج الإسلام القوية فتضيء جوانب قلوبهم بالإيمان فيسيرون على زاد ذلك قليلا، ثم تحيط بهم شبهة من الشبهات فينطفئ النور في قلوبهم فيقفون حائرين، وهم في هذه الحالة على غاية من الخوف من انكشاف أمرهم للمؤمنين، أو من سلطان الكافرين، أو من عقوبة الله لهم على ما هم فيه. هذا حال الكثيرين من أبناء المسلمين في عصرنا، ولعل ما هم فيه يجعلنا نفهم المثل من خلال واقعهم.
وقد حاول بعض المفسرين أن يجعل لكل كلمة وردت في المثل ما يقابلها على انفراد، ثم قابلوا ذلك بمفردات، فالمطر الإسلام، والظلمات الآيات المتشابهات، والرعد آيات الوعيد، والبرق الآيات المحكمات، أو غير ذلك على اعتبار أنهم ظنوا أن للعرب طريقة