فصل في القلوب في المصطلح الشرعي: ورد في مقدمة سورة البقرة قوله تعالى عن الكافرين: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وورد قوله تعالى عن المنافقين: فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وترد كلمة القلب في الكتاب والسنة كثيرا، وكثيرون من الناس يغلطون في شأنها. وباختصار نقول: إن هناك قلبا محسوسا لكل الناس يشترك فيه الإنسان مع كثير من المخلوقات هو القلب الدموي، هذا القلب الذي له وظيفة المضخة الدموية هو مركز لقلب آخر هو مركز الأحاسيس الوجدانية، من حب وبغض وحقد وسماحة وخوف وأمن، وهذه القضايا كذلك محسوسة لكل الناس، إذ كل الناس يحسون بشيء من هذه المعاني في قلوبهم. هذا القلب الثاني هو محل الإيمان الذوقي، وهو محل الكفر والنفاق كذلك، وهاهنا نجد أمورا محسة عند بعض الناس وغير محسة عند آخرين، فأهل الإيمان- مثلا يحسون بمعان كثيرة في قلوبهم، هذه المعاني لا يحس بها الكافرون لأن هذا الجانب في قلوبهم ميت، هذا القلب المرتبط بالقلب الدموي ليس هو عين القلب الدموي، بدليل أن الذين أجريت لهم عمليات استئصال لقلوبهم، وأعطوا قلبا آخر، لم تتغير أحاسيسهم، وفي التفريق بين القلب الدموي والقلب الآخر يقول صاحب حاشية الجمل على تفسير الجلالين: «وحيث أطلق القلب في لسان الشرع فليس المراد به الجسم الصنوبري الشكل فإنه للبهائم وللأموات، بل المراد به معنى آخر يسمى بالقلب أيضا، وهو جسم لطيف قائم بالقلب اللحماني قيام العرض بمحله أو قيام الحرارة بالفحم، وهذا القلب هو الذي يحصل منه الإدراك وترتسم فيه العلوم والمعارف». هذا القلب في المصطلح الشرعي يمرض ويصح ويموت ويعمى ويصم.
ومن ثم رأينا في الكلام عن الكافرين في الفقرة كيف أن الله عزّ وجل قال خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وقال عن المنافقين فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ووصفهم بقوله: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ.
هذا القلب في المصطلح الشرعي مقره الصدر لا كما توهم بعضهم، من أن مقره الدماغ، قال تعالى فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَلكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ (الحج: ٤٦) فحدد مكانها في الصدور. وقد فصلنا في كتابنا (تربيتنا الروحية) في هذه المعاني فليراجع.
وبمناسبة قوله تعالى: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وقوله تعالى فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ننقل هذه النقول:


الصفحة التالية
Icon