والإرادة طلب النفس وميل القلب بالنسبة للإنسان، وهي عند المتكلمين معنى يقتضي تخصيص الممكنات بوجه دون وجه، والله تعالى موصوف بالإرادة: على الحقيقة عند أهل السنة. يُضِلُّ بِهِ أي بالمثل كَثِيراً وَيَهْدِي بِهِ كَثِيراً دلت على أن فريق العالمين بأنه الحق، وفريق الجاهلين المستهزئين به كلاهما موصوف بالكثرة، وأن العلم بكونه حقا من باب الهدى، وأن الجهل بحسن مورده من باب الضلالة، وأهل الهدى كثيرون في أنفسهم وإنما يوصفون بالقلة بالقياس إلى أهل الضلال، والإضلال: خلق فعل الضلال في العبد، والهداية: خلق فعل الاهتداء عند أهل السنة. وَما يُضِلُّ بِهِ، أي بالمثل إِلَّا الْفاسِقِينَ الفاسق في اصطلاح الفقهاء هو: الخارج عن الأمر بارتكاب كبيرة أو بإصرار على صغيرة وأما في الاصطلاح القرآني فإذا جاء في سياق الكلام عن الكافرين والمنافقين فالمراد به الكافر، وإذا جاء حديثا عن المسلمين العاصين فالمراد به المقصرون في الفعل أو في الترك. وهاهنا المراد به الكافرون والمنافقون، وينسحب الكلام على المؤمنين، لأنه كثيرا ما ينسحب الوعيد في حق الكافرين والمنافقين على عصاة هذه الأمة ممن يوافقون الكافرين أو المنافقين في أمر هو معصية. ثم وصف الله- عزّ وجل- هؤلاء الذين يستحقون الإضلال بسبب فسوقهم فقال:
الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثاقِهِ النقض هو الفسخ وفك التركيب، والعهد الموثق، والضمير في مِيثاقِهِ يعود إلى العهد أو لله تعالى، والميثاق من الوثاقة وهي: إحكام الشئ، فإذا كان الضمير للعهد صار المعنى ينقضون عهد الله من بعد ما وثقوه به من قبوله وإلزامه أنفسهم، وإذا كان الضمير (لله) صار المعنى:
ينقضون عهد الله من بعد توثقته عليهم، وعهد الله هو: إما ما ركز في عقولهم من الحجة على التوحيد كأنه أمر وصاهم به، ووثقه عليهم، وإما الميثاق بأنه إذا بعث رسولا يصدقه بالمعجزات أن يؤمنوا ويتابعوا، وإما أخذ الله العهد على ألا يسفك دم ظلما وألا يكون بغي وفساد وتقطيع أرحام.
وَيَقْطَعُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ هو: قطعهم الأرحام وقطعهم موالاة المؤمنين ومن باب أولى موالاة الرسل، فمن قطع ما بين الأنبياء من الوصلة والاجتماع على الحق فآمن ببعض وكفر ببعض فقد قطع ما أمر الله به أن يوصل، والأمر: طلب الفعل بقول مخصوص على سبيل الاستعلاء.
وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ من أظهر مظاهر الإفساد في الأرض الدعوة إلى الكفر