التفسير:
الر كِتابٌ أُحْكِمَتْ آياتُهُ أي هذا الكتاب قد نظمت آياته نظما رصينا محكما بعجيب النظم وبديع المعاني، فلا يقع فيه نقص ولا خلل كالبناء المحكم ثُمَّ فُصِّلَتْ أي بينت فيها الأحكام والقصص والمواعظ، فآيات القرآن محكمة من جهة لا يدخل عليها نقص ولا نقض ولا خلل، وهي في الوقت نفسه مفصلة مبينة واضحة وقد ذهب النسفي (أن كلمة فصلت تحتمل أنها جعلت فصولا سورة سورة، وآية آية).
و(ثم) في الأصل تفيد التراخي في الوقت، وهاهنا تفيد الجمع والتراخي في الحال، فليس التفصيل على حساب الإحكام، بل الإحكام أولا ثم التفصيل، مع أن التفصيل في غاية البيان، ومن مظاهر التفصيل ما رأيناه في هذا الكتاب، من كون كل قسم من القرآن يفصل نوع تفصيل لما أجمل في مكان آخر، وكل سورة تفصل ما أجمل في آية أو في مجموعة آيات، وهذا مظهر واحد من مظاهر التفصيل في القرآن، ومن مظاهر التفصيل البيان المفهوم لكل عربي على حسب طاقته، ووضوح المعاني ووصولها إلى القلب السليم، وكتاب يجمع مثل هذا الإحكام في النظم والمعاني، حتى إنه ليسع الزمان والمكان والإنسان، ولا ينقضه شئ في الزمان والمكان، مع هذا التفصيل والبيان لا يمكن أن يكون إلا من عند الله، ولذلك ختمت هذه الآية بقوله تعالى: مِنْ لَدُنْ