٢ - وبمناسبة قوله تعالى: وَلَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ قال ابن كثير: (والأمة تستعمل في القرآن والسنة في معان متعددة: فيراد بها الأمد كقوله في هذه الآية إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ وقوله في سورة يوسف وَقالَ الَّذِي نَجا مِنْهُما وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ، وتستعمل في الإمام المقتدى به كقوله إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (النحل: ١٢٠)، وتستعمل في الملة والدين كقوله إخبارا عن المشركين إنهم قالوا: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ (الزخرف: ٢٣)، وتستعمل في الجماعة كقوله وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ (القصص: ٢٣) وقوله وَلَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ (النحل: ٣٦) وقال تعالى: وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ فَإِذا جاءَ رَسُولُهُمْ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ (يونس: ٤٧)، والمراد من الأمة هاهنا الذين يبعث فيهم الرسول، مؤمنهم وكافرهم، كما في صحيح مسلم:
«والذي نفسي بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ولا يؤمن بي، إلا دخل النار». وأما أمة الاتباع فهم المصدقون للرسل كما قال تعالى: وَمِنْ قَوْمِ مُوسى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ (الأعراف: ١٥٩) وكقوله مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ الآية (آل عمران: ١١٣).
٣ - وبمناسبة قوله تعالى: إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ نذكر هذين الحديثين:
أ- «والذي نفسي بيده لا يصيب المؤمن هم ولا غم، ولا نصب ولا وصب، ولا حزن حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله عنه بها من خطاياه».
ب- وفي الصحيحين: «والذي نفسي بيده لا يقضي الله للمؤمن قضاء إلا كان خيرا له: إن أصابته سراء فشكر كان خيرا له، وأن أصابته ضراء فصبر كان خيرا له، وليس ذلك لأحد غير المؤمن».
ولنعد إلى التفسير:
بعد أن بين الله عزّ وجل لنا في هذا المقطع أن هذا القرآن أنزل من أجل أن يعبد الله، وبعد أن عرفنا الله على ذاته، وبين لنا حكمة خلق السموات والأرض، وموقف أهل الكفر والإيمان في الشدة والرخاء، وقد عرفنا محل ذلك في السياق، يخاطب


الصفحة التالية
Icon