وتنزه لا إله إلا هو ولا رب سواه
فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا أي من دعوتموه للمعاونة والمعارضة لَكُمْ فَاعْلَمُوا أيها الكافرون أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ أي أنزل ملبسا بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز، ومعان لا يمكن أن تكون إلا من عند الله وَأَنْ أي واعلموا أنه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ وحده فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ بعد هذه الحجة القاطعة، أي أسلموا، دل على أن التسليم بإعجاز القرآن يقتضي شيئين: توحيد الله، والإسلام له، فإذا رأيت من يسلم بالإعجاز ولا يوحد، ولا يسلم الإسلام الخالص، فإنه كذاب، وهكذا عرفنا من السياق أن الإيمان بالقرآن يقتضي
توحيدا وإسلاما، وهذه هي العبادة: معرفة بالله وصفاته، واستسلام وطاعة له في أمره، ويمكن أن نفهم الآية الأخيرة على أنها خطاب للمسلمين فيكون المعنى فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ أيها المسلمون فيما تحديتموهم به، فأثبتوا على العلم الذي أنتم عليه، وازدادوا يقينا على أنه منزل من عند الله وعلى التوحيد، ويكون معنى فهل أنتم مسلمون: فهل أنتم مخلصون خالصون لله، أي أسلموا لله ظاهرا وباطنا بالإخلاص والعمل.
وإذ كان المانع من اتباع القرآن، ومن عبادة الله، والإنابة إليه، والإسلام له، والرغبة في الآخرة، هي الدنيا، فإن الله عزّ وجل بعد أن ذكر ما ذكر قال: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ أي نوصل إليهم أجور أعمالهم وافية كاملة فِيها أي في الدنيا وَهُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ أي لا ينقصون شيئا
أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ أي وبطل ما صَنَعُوا فِيها أي وبطل ما صنعوه أو صنيعهم في الآخرة، أي لم يكن لهم ثواب لأنهم لم يريدوا وجه الله والدار الآخرة، إنما أرادوا به الدنيا، وقد وفى إليهم ما أرادوا وَباطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ أي كان عملهم في نفسه باطلا؛ لأنه لم يعمل لغرض صحيح، والعمل الباطل لا ثواب له، والآيتان عامتان في كل من أراد بعمله الدنيا، سواء كان كافرا أو مسلما، حتى حملها بعضهم على المسلمين المرائين فقط، والصواب أنها عامة، ومما قيل في الآية: (قال العوفي عن ابن عباس: إن أهل الرياء يعطون بحسناتهم في الدنيا، وذلك أنهم لا يظلمون نقيرا، يقول: من عمل صالحا لالتماس الدنيا صوما أو صلاة أو تهجدا بالليل، لا يعمله إلا لالتماس الدنيا. يقول الله تعالى: أوفيه الذي التمس في الدنيا من المثابة، وحبط عمله الذي كان يعمله لالتماس الدنيا، وهو في الآخرة من الخاسرين، وهكذا روي عن مجاهد والضحاك وغير واحد. وقال أنس بن مالك والحسن: نزلت في اليهود والنصارى. وقال مجاهد وغيره: نزلت في أهل الرياء، وقال قتادة: من


الصفحة التالية
Icon