لقيادة بني إسرائيل، ورحمة من الله تنزلت عليهم. وهو يصدق رسول الله ﷺ بما تضمنه من التبشير به، كما يصدقه بما فيه من مطابقة للأصول الاعتقادية التي يقوم عليها دين الله كله. يقول: أفمن كان هذا شأنه يكون موضعا للتكذيب والكفر والعناد كما تفعل الأحزاب التي تناوئه من شتى فئات المشركين؟! إنه لأمر مستنكر إذن في مواجهة هذه الشواهد المتضافرة من شتى الجهات).
وقال الألوسي عند الآية نفسها: (أَفَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ تدل على الحق والصواب فيما يأتيه ويذره، ويدخل في ذلك الإسلام دخولا أوليا، واقتصر عليه بعضهم بناء على أنه مناسب لما بعد، وأصل- البينة كما قيل-: الدلالة الواضحة عقلية كانت أو محسوسة، وتطلق على الدليل مطلقا، وهاؤها للمبالغة، أو النقل، وهي وإن قيل: إنها من بان بمعنى تبين واتضح لكنه اعتبر فيها دلالة الغير والبيان له، وأخذها بعضهم من صيغة المبالغة، والتنوين فيها هنا للتعظيم، أي بينة عظيمة الشأن، والمراد بها القرآن وباعتبار ذلك، أو البرهان ذكر الضمير الراجع إليها في قوله سبحانه (ويتلوه) أي يتبعه (شاهد) عظيم يشهد بكونه من عند الله تعالى شأنه وهو- كما قال الحسين بن الفضل- الإعجاز في نظمه، ومعنى كون ذلك تابعا له: أنه وصف له لا ينفك عنه حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فلا يستطيع أحد من الخلق جيلا بعد جيل معارضته ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).
من هذين النقلين ندرك أن للمفسرين أكثر من اتجاه في الآية، والذي نرجحه أن البينة هي القرآن، والشاهد هو الفطرة والقلب والعقل، وعلى هذا الاتجاه فقد دلت الآية على أن المؤمن عنده من الفطرة ما يشهد للشريعة من حيث الجملة، وأما التفصيلات فإنها تؤخذ من الشريعة والفطرة تصدقها وتؤمن بها، وهناك أكثر من حديث عن رسول الله ﷺ في تبيان أن الأصل في الإنسان سلامة الفطرة، ففي الصحيحين عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كما تولد البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟» الحديث. وفي صحيح مسلم عن رسول الله ﷺ قال: «يقول الله تعالى:
إني خلقت عبادي حنفاء، فجاءتهم الشياطين، فاجتالتهم عن دينهم، وحرمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أن يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانا». وفي المسند والسنن:
«كل مولود يولد على هذه الملة حتى يعرب عنه لسانه» الحديث. وقد ذكرنا أثناء