الْعَذابُ لأنهم أضلوا الناس عن دين الله ما كانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ للحق من فرط حقدهم وحسدهم وكبرهم وَما كانُوا يُبْصِرُونَ الحق، وهكذا اجتمع لهم الصمم عن الحق، والعمى عنه، فلفرط كراهيتهم للحق أصبحوا كأنهم عاجزون عن السماع والرؤية
أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ لأنهم أدخلوا نارا حامية فهم معذبون فيها لا يفتر عنهم من عذابها طرفة عين وَضَلَّ عَنْهُمْ أي وغاب عنهم وذهب ما كانُوا يَفْتَرُونَ من زخرف قول، وباطل في العقائد وغيرها
لا جَرَمَ أي حقا أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ أخبر تعالى بهذه الآية عن مآلهم أنهم أخسر الناس صفقة في الدار الآخرة، لأنهم استبدلوا الدركات عن الدرجات، واعتاضوا عن نعيم الجنان بحميم آن، وعن شرب الرحيق المحتوم بسموم وحميم وظل من يحموم، وعن الحور العين بطعام من غسلين، وعن القصور العالية بالهاوية، وعن قرب الرحمن ورؤيته بغضب الديان وعقوبته، فلا جرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون.
وبعد أن بين الله عزّ وجل حال الكافرين ختم المقطع ببيان حال المؤمنين والموازنة بينهم وبين الكافرين إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ وَأَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أي اطمأنوا إليه وانقطعوا إلى عبادته بالخشوع والتواضع، فاجتمع لهم الإيمان والعمل الصالح والخشوع وهذه بمجموعها عبادة أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ وهكذا بعد أن ذكر الأشقياء، ثنى بذكر السعداء: وهم الذين آمنوا وعملوا الصالحات، فآمنت قلوبهم، وعملت جوارحهم الأعمال الصالحة قولا وفعلا، من الإيمان بالطاعات، وترك المنكرات، وبهذا ورثوا الجنات المشتملة على الغرف العاليات، والسرر المصفوفات، والقطوف الدانيات، والفرش المرتفعات، والحسان الخيرات، والفواكه المتنوعات، والمآكل المشتهيات، والمشارب المستلذات، والنظر إلى خالق الأرض والسموات. وهم في ذلك خالدون لا يموتون، ولا يهرمون ولا يمرضون، ولا ينامون، ولا يتغوطون، ولا يبصقون ولا يتمخطون، إن هو إلا رشح مسك يعرقون.
ثم ضرب الله تعالى مثلا للكافرين والمؤمنين فقال: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ أي الذين وصفهم أولا بالشقاء، والمؤمنين بالسعادة، فأولئك كالأعمى والأصم، وهؤلاء كالبصير والسميع كَالْأَعْمى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ شبه فريق الكافرين بالأعمى والأصم وشبه فريق المؤمنين بالبصير والسميع، فالكافر أعمى عن وجه الحق في الدنيا والآخرة، لا يهتدي إلى خير ولا يعرفه، أصم عن سماع الحجج؛ فلا يسمع ما ينتفع به، وأما المؤمن ففطن ذكي، لبيب، بصير بالحق، يميز بينه وبين الباطل، فيتبع