مُغْرَقُونَ أي محكوم عليهم بالإغراق، وقد قضي به وجف القلم، فلا سبيل إلى كفه، وقام نوح بالأمر
وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّما مَرَّ عَلَيْهِ مَلَأٌ مِنْ قَوْمِهِ سَخِرُوا مِنْهُ أي من عمله السفينة فكانوا يهزءون به ويكذبون بما يتوعدهم به من الغرق قالَ إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ عند رؤية الهلاك، وهو محقق عندنا من الآن كَما تَسْخَرُونَ منا عند رؤية الفلك
فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ مَنْ يَأْتِيهِ عَذابٌ يُخْزِيهِ أي يهينه في الدنيا وَيَحِلُّ عَلَيْهِ عَذابٌ مُقِيمٌ أي دائم مستمر أبدا فالمراد بالعذاب الأول عذاب الدنيا وهو الغرق، والمراد بالعذاب الثاني عذاب الآخرة.
ثم قص الله علينا كيف جاء العذاب حَتَّى إِذا جاءَ أَمْرُنا أي عذابنا وَفارَ التَّنُّورُ للمفسرين هنا أقوال فبعضهم قال: المراد بالتنور الإشعار باشتداد الأمر وصعوبته ففي الكلام كناية، وبعضهم قال: المراد به تنور خبز بعينه، وبعضهم قال: المراد به وجه الأرض، والظاهر أنها علامة لنوح من الله، فإذا كان الأمر كذلك فهو تنور بعينه قُلْنَا احْمِلْ فِيها أي في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ أي من كل صنف زوجين وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ أنه من أهل النار، وما سبق عليه القول بذلك إلا للعلم بأنه يختار الكفر بتقديره وإرادته، جل خالق العباد عن أن يقع في الكون خلاف ما أراد وَمَنْ آمَنَ أي واحمل مع المؤمنين من أهلك من آمن من غيرهم وَما آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ أي نزر يسير مع طول المدة والمقام بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما، كما سنرى في سورة (العنكبوت)، وليس هناك من رواية عن رسولنا عليه الصلاة والسلام في تحديد عدد من ركب في السفينة، وسنذكر في الفوائد شيئا له علاقة في هذا الموضوع
وَقالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللَّهِ مَجْراها وَمُرْساها أي مسمين الله، أو قائلين بسم الله وقت إجرائها ووقت إرسائها، أي بسم الله يكون جريها على وجه الماء، وبسم الله يكون منتهى سيرها وهو رسوها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ لمن آمن منهم رَحِيمٌ حين خلصهم
وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ كأنه قيل: فركبوا فيها يقولون: بسم الله، والسفينة تجري، وهم فيها، وموج الطوفان كأنه الجبال. والموج: هو ما يرتفع من الماء عند اضطرابه بسبب الرياح الشديدة، شبه كل موجة منه بالجبل في تراكمها وارتفاعها وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وَكانَ فِي مَعْزِلٍ أي عن أبيه وعن السفينة، أو في معزل عن دينه يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا في السفينة، أي أسلم واركب ولذلك قال:
وَلا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ فتغرق وتدخل النار
قالَ سَآوِي أي سآتي إِلى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْماءِ أي يمنعني من الغرق قالَ لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ