كذبه، وأول مرجع عندنا في هذا الموضوع هو سفر التكوين، وهو أحد الأسفار الخمسة التي تشكل التوراة الحالية، ويسمونها أسفار موسى: وقد ذكرنا في سورة الأعراف أن هذه الأسفار الخمسة لا يمكن أن تكون هي التوراة، وقد نقل مالك بن نبي في كتاب (الظاهرة القرآنية) عن النقاد الغربيين أنه لم يثبت سفر من أسفار العهد القديم للنقد إلا سفر أرميا، ومن قرأ الإصحاحات: الخامس، والسادس، والسابع، والثامن، والتاسع، من سفر التكوين وهي التي تحدثت عن قصة نوح عرف من خلال قراءته ومطالعته المجردة سخف كثير من الكلام الموجود فيها، مما يدل على أنه كلام موضوع مكذوب، لا يليق أن يذكر في كتاب. من ذلك مثلا في الكلام عن الله «فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه» وأبرز ما يدلنا على الكذب في هذه الأسفار أن هذه الإصحاحات تذكر رقم (٩٥٠) سنة وتجعلها عمر نوح كله، فتجعل بقاء نوح في قومه قبل الطوفان (٦٠٠) سنة وتجعل (٣٥٠) سنة بعد الطوفان، مع أن النص القرآني الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه يذكر فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ وَهُمْ ظالِمُونَ.
(العنكبوت: ١٤)
فإذا وضح هذا الذي ذكرناه في معرفتنا لقيمة الروايات المذكورة في كتب العهد القديم، فلننقل من هذه الإصحاحات بعض المعاني، ما دام علماؤنا قد نقلوا عمن نقل عنها، فالنقل منها مباشرة أولى: ففي الإصحاح السادس من سفر التكوين من العهد القديم: (فقال الله لنوح نهاية كل بشر قد أتت أمامي. لأن الأرض امتلأت ظلما منهم. فها أنا مهلكهم مع الأرض. اصنع لنفسك فلكا من خشب جفر. تجعل الفلك مساكن. وتطليه من داخل ومن خارج بالقار. وهكذا تصنعه ثلاث مائة ذراع يكون طول الفلك. وخمسين ذراعا عرضه. وثلاثين ذراعا ارتفاعه. وتصنع كوى للفلك وتكمله إلى حد ذراع من فوق. وتضع باب الفلك في جانبه. مساكن سفلية ومتوسطة وعلوية تجعله، فها أنا آت بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء. كل ما في الأرض يموت. ولكن أقيم عهدي معك. فتدخل الفلك أنت وبنوك وامرأتك ونساء بنيك معك. ومن كل حي من كل ذي جسد اثنين من كل تدخل إلى الفلك لاستبقائها معك. تكون ذكرا وأنثى. من الطيور كأجناسها. ومن البهائم كأجناسها. ومن كل دبابات الأرض كأجناسها. اثنين من كل تدخل إليك لاستبقائها وأنت فخذ لنفسك من كل طعام يؤكل واجمعه عندك. فيكون لك ولها