بالدينونة والعبودية، ولا يجعل لأحد معه صفة الربوبية.
إن قوم نوح هؤلاء.. هم ذرية آدم.. وآدم- كما نعلم من قصته في سورة الأعراف من قبل وفي سورة البقرة كذلك- قد هبط إلى الأرض ليقوم بمهمة الخلافة فيها- وهي المهمة التي خلقه الله لها وزوده بالكفايات والاستعدادات اللازمة لها- بعد أن علمه ربه كيف يتوب من الزلة التي زلها، وكيف تلقى من ربه كلمات فتاب عليه بها. وكيف أخذ عليه ربه العهد والميثاق- هو وزوجه وبنوه- أن «يتبع» ما يأتيه من هدى الله، ولا يتبع الشيطان وهو عدو بنيه إلى يوم الدين.
وإذن فقد هبط آدم إلى الأرض مسلما لله متبعا هداه. وما من شك أنه علم بنيه الإسلام جيلا بعد جيل، وأن الإسلام كان هو أول عقيدة عرفتها البشرية في الأرض، حيث لم تكن معها عقيدة أخرى. فإذا نحن رأينا قوم نوح- وهم من ذرية آدم بعد أجيال لا يعلم عددها إلا الله- قد صاروا إلى هذه الجاهلية التي وصفتها القصة في هذه السورة. فلنا أن نجزم أن هذه الجاهلية طارئة على البشرية بوثنيتها وأساطيرها وخرافاتها وأصنامها وتصوراتها وتقاليدها جميعا. وأنها انحرفت عن الإسلام إليها بفعل الشيطان المسلط على بني آدم؛ وبفعل الثغرات الطبيعية في النفس البشرية. تلك الثغرات التي ينفذ منها عدو الله وعدو الناس، كلما تراخوا عن الاستمساك بهدى الله، واتباعه وحده، وعدم اتباع غيره معه في كبيرة ولا صغيرة.. ولقد خلق الله الإنسان ومنحه قدرا من الاختيار- هو مناط الابتلاء- وبهذا القدر يملك أن يستمسك بهدى الله وحده فلا يكون لعدوه من سلطان عليه، كما يملك أن ينحرف- ولو قيد شعرة- عن هدى الله إلى تعاليم غيره، فيجتاله الشيطان حتى يقذف به- بعد أشواط- إلى مثل تلك الجاهلية الكالحة التي انتهت إليها ذراري آدم- النبي المسلم- بعد تلك الأجيال التي لا يعلمها إلا الله.
وهذه الحقيقة.. حقيقة أن أول عقيدة عرفت في الأرض هي الإسلام القائم على توحيد الدينونة والربوبية والقوامة لله وحده.. تقودنا إلى رفض كل ما يخبط فيه من يسمونهم (علماء الأديان المقارنة) وغيرهم من التطوريين الذين يتحدثون عن التوحيد بوصفه طورا متأخرا من أطوار العقيدة، سبقته أطوار شتى من التعدد والتثنية للآلهة.
ومن تأليه القوى الطبيعية وتأليه الأرواح، وتأليه الشموس والكواكب.. إلى آخر ما تخبط فيه هذه «البحوث» التي تقوم ابتداء على منهج موجه بعوامل تاريخية ونفسية