الْقِيامَةِ لما كانوا تابعين لهم دون الرسل جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْداً لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ هذا التعبير يفيد تهويل أمرهم، ويبعث على الاعتبار بهم، والحذر من مثل حالهم، والدعاء (ببعدا) بعد هلاكهم- وهو دعاء بالهلاك- للدلالة على أنهم كانوا مستأهلين له. وقوله لِعادٍ قَوْمِ هُودٍ ذكر النسفي أن فيه فائدة هي أن عادا عادان: عاد الأولى القديمة التي هي قوم هود والقصة فيهم، والأخرى إرم. وهكذا تنتهي القصة الثانية في هذا المقطع، وهي قصة هود لتؤدي دورها في سياق السورة بالتمثيل لعاقبة الذين يتركون دعوة الرسول إياهم لعبادة الله، وتعرض لنا نوعا من الشبه التي استقبلت بها الدعوة إلى عبادة الله، والرد عليها، وبطلانها.
قال صاحب الظلال تعقيبا على قصة هود فى السورة: (ونقف وقفات قصيرة أمام ما تلهمه قصة هود مع قومه في سياق هذه السورة.. نقف أمام الدعوة الواحدة الخالدة على لسان كل رسول وفي كل رسالة.. دعوة توحيد العبادة والعبودية لله، المتمثلة فيما يحكيه القرآن الكريم عن كل رسول: قالَ: يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ ولقد كنا دائما نفسر «العبادة» لله وحده بأنه «الدينونة الشاملة» لله وحده.
فى كل شأن من شئون الدنيا والآخرة. ذلك أن هذا هو المدلول الذي تعطيه اللفظة في أصلها اللغوي.
... ونقف أمام الحقيقة التي كشف عنها هود لقومه وهو يقول لهم: وَيا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ، وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ.. وهي ذات الحقيقة التي ذكرت في مقدمة السورة بصدد دعوة رسول الله ﷺ لقومه بمضمون الكتاب الذي أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير. وذلك في قوله تعالى: وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى، وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ
إنها حقيقة العلاقة بين القيم الإيمانية والقيم الواقعية فى الحياة البشرية، وحقيقة اتصال طبيعة الكون ونواميسه الكلية بالحق الذي يحتويه هذا الدين.. وهي حقيقة في حاجة إلى جلاء وتثبيت، وبخاصة في نفوس الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا، والذين لم تصقل أرواحهم وتشف حتى ترى هذه العلاقة أو على الأقل تستشعرها.