بقتال المشركين، ذكروه عند قوله تبارك وتعالى وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ مِنْ بَعْدِ ما أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ الْأُولى [القصص: ٤٣] فعلى هذا يتعين أن هذه القرية المذكورة في القرآن قرية أخرى غير أنطاكية، كما أطلق ذلك غير واحد من السلف أيضا.
أو تكون أنطاكية إن كان لفظها محفوظا في هذه القصة مدينة أخرى غير هذه المشهورة المعروفة، فإن هذه لم يعرف أنها أهلكت لا في الملة النصرانية، ولا قبل ذلك، والله سبحانه وتعالى أعلم، فأما الحديث الذي رواه الحافظ أبو القاسم الطبراني... عن مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «السبق ثلاثة: فالسابق إلى موسى عليه الصلاة والسلام يوشع بن نون، والسابق إلى عيسى عليه الصلاة والسلام صاحب يس، والسابق إلى محمد صلّى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب رضي الله عنه» فإنه حديث منكر، لا يعرف إلا من طريق حسين الأشقر وهو شيعي متروك، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب).
هذا تحقيق ابن كثير في اسم القرية. والذي يبدو لي أن من أسلم من علماء أهل الكتاب قرءوا في كتبهم أن أنطاكية ذهب إليها ثلاثة من تلاميذ المسيح؛ فظنوا أن القصة يراد بها هذه الحادثة، وتابعهم الكثير على ذلك، وهذا من ضعف التحقيق، فإنه لا يكفي أن تكون صلة ما بين شئ وشئ حتى نحكم أن هذا الشئ هو هو، والذي يبدو أنّ اسم مؤمن (يس) من هذا الباب؛ إذ إن الغالب في اسمه أنه منقول عن أهل الكتاب، وليسوا حجة قاطعة.
قال ابن كثير: (قال ابن اسحاق فيما بلغه عن ابن عباس رضي الله عنهما وكعب الأحبار ووهب بن منبه أن أهل القرية همّوا بقتل رسلهم، فجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى أي لينصرهم من قومه قالوا وهو حبيب، وكان يعمل الحرير، وهو الحباك، وكان رجلا سقيما قد أسرع فيه الجذام، وكان كثير الصدقة يتصدق بنصف كسبه، مستقيم الفطرة، وقال ابن إسحاق عن رجل سماه عن الحكم عن مقسم أو مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اسم صاحب يس حبيب، وكان الجذام قد أسرع فيه. وقال الثوري عن عاصم الأحول عن أبي مجلز كان اسمه حبيب ابن سري، وقال شبيب بن بشر عن عكرمة عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: اسم صاحب يس حبيب النجار، فقتله قومه وقال السدي كان قصارا، وقال عمر بن الحكم كان إسكافا، وقال قتادة كان يتعبد في غار هناك).
من هذه النقول ندرك أن تسمية مؤمن (يس) باسم (حبيب) مرجعه في الغالب


الصفحة التالية
Icon