المحور أنّ سورة فصّلت نسخة طبق الأصل من سورة هود فذلك خطأ كبير، إن سورة فصّلت ككلّ سورة، لها روحها الخاصة، ووحدتها الخاصة، وسياقها الخاص، ثم هي تفصّل محورها من سورة البقرة تفصيلا جديدا، يبنى على تفصيل سورة هود، فإذا كانت سورة هود فصّلت في أنّ الأمر بالعبادة هو أمر مشترك بين هذه الرسالة وبين كل رسالة لله، وبينت ذلك، ودلّلت عليه، فإنّ سورة فصّلت ينصبّ الكلام فيها على مخاطبة هذه الأمة في هذا الشأن.
تتألف السورة من مقدمة هي: حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَنَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَقالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَفِي آذانِنا وَقْرٌ وَمِنْ بَيْنِنا وَبَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ. ومن مقطع واحد هو ردّ على موقفهم هذا. ويتألف من ثلاث فقرات، كل فقرة مبدوءة بكلمة قُلْ*: قُلْ إِنَّما أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحى إِلَيَّ أَنَّما إِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (الآية: ٦) قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْداداً.. (الآية: ٩) قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ... (الآية: ٥٢) فالسورة عرض لموقف وردّ عليه، ودعوة لما يقابله، من التوحيد والعبادة، والاستقامة على الأمر.
ومن ثمّ فإنّ السّورة كما قلنا تفصيل جديد، بأسلوب جديد، لمحورها من سورة البقرة.
فمحور السورة من سورة البقرة دعا الناس جميعا إلى عبادة الله للوصول إلى التقوى التي من أركانها الإيمان بالقرآن، وعدم الشك فيه، والاهتداء بهديه.
وجاءت سورة النّساء لتفصّل في ماهية التقوى، وجاءت سورة هود ففصّلت في موضوع العبادة، وتأتي سورة فصّلت لتبيّن موقف الكافرين من دعوة الرسول صلّى الله
عليه وسلم عامة.
ثم يأتي الرّد، ومن الرد نعلم أنهم رفضوا الاستقامة والاستغفار، ورفضوا الزكاة، ورفضوا التوحيد، وأصرّوا على الشرك، ومن خلال الردّ يدعونا الله عزّ وجل للإيمان والتقوى، ومعرفة الله، وعبادته، والاستقامة على أمره.


الصفحة التالية
Icon