الثَّاني: تعارضُ العامِّ والعامِّ.
فإنْ كانا عامَّينِ من كُل الوجوه؛ فهو كَتَعارُضِ النَّصَّينِ، وسيأتي بَيانُ حُكْمِهِ.
وإنْ أمكنَ أن يُخَصَّ عُمومُ كُلِّ واحدٍ منهما بالآخَر، فهذا لا يُقْضَى بأحدِهما على الآخر، إلَّا بدليل يَدُل على المَخْصوصِ منهُما، أو ترجيع لأحدِهما على الآخَرِ، وهذا كثيرٌ موجودٌ في الكِتاب والسُّنَّة، لكنْ دون الأَوَّلِ (١).
ومثالُهُ من الكِتابِ (٢): قولُه -عَزَّ وجَل-: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣]، وهذا عامٌّ في النكاحِ وفي مُلْكِ اليَمينِ، معَ قولهِ تعالى: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، وهذا عام في الأَجْنَبياتِ والقَريباتِ، فَيَحْتَمِلُ تحريمَ الجَمْع بين الأختين بملكِ اليمين؛ بدليل قوله تعالى: ﴿وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ﴾ [النساء: ٢٣]، ويَحْتَمِلُ تحليلَهُما؛ بدليل قوله تعالى: ﴿إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ﴾ [النساء: ٢٤]، والتحريمُ أَحْوَطُ، فكانَ أَرْجَحَ، ولهذا قالَ عثمانُ وعلى -رضيَ اللهُ عنهُما-: أحلَّتْهُما آيةٌ، وحَرَّمَتْهُما آية، والتحريمُ أولى (٣). ونحو هذا من الكِتابِ العزيز.

= تعالى أنْ يَصْدُرَ عنه حكمان متناقضان في حكم واحد، في وقت واحد.
انظر: "نهاية السول" للإسنوي (٢/ ٩٦٤)، و "البحر المحيط" للزركشي (٦/ ١٠٨)، و "أصول الفقه" للخضري (ص: ٣٥٨)، و "أصول الفقه الإسلامي" لوهبة الزحيلي (٢/ ١١٧٤)، و "الوجيز في أصول الفقه الإسلامي" لمحمد الزحيلي (٢/ ٤١٠).
(١) هذه حالة أن يكون كل من الدليلين عاماً من وجه، خاصاً من وجه.
(٢) هذا المثال للترجيح في حالة العموم والخصوص الوجهي.
(٣) رواه الإمام مالك في "الموطأ" (٢/ ٥٣٨)، ومن طريقه: الإمام الشَّافعي في "مسنده" (ص: ٢٨٨)، وعبد الرَّزاق في "المصنف" (١٢٧٢٨)، والدارقطني في =


الصفحة التالية
Icon