فأمر اللهُ -جَل جَلالُه- عبادَه بفرائضَ في وَقْتٍ، ثم نَقَلَهُمْ عنْها في وقتٍ آخَرَ، وقدْ عَلِم ذلكَ -جَل جَلالُهُ- في الأَزَلِ، لا أَؤلِيَّةَ لعلمِه، ولا مُعَقّب لحُكْمِه، فعَل ذلك بهم بحكمةٍ عَلِمَها، ولقدرة ابتدَعَها (١)، ولُطْفاً بعباده، إمَّا لتخفيفِ المَشَقَّةِ عليهم، أو لتَضْعيف الحَسَناتِ لهم، سبحانَ اللهِ جَلَّ جَلالُهُ، وتقدَّسَتْ أَسْماؤُه، وتَعالى عَمَّا يقولُ الظَّالِمون عُلُوًّا كبيرًا.
ولَمَّا طبعَ اللهُ الحكيمُ (٢) على قلوبِ قومٍ بقدرتهِ ولطيفِ حكمتهِ، أَذْهَبَ أَنْوارَها، وأعمى أبصارَها عَنْ جَلِيِّ قدرتهِ وبديع حكمتهِ وعظيمِ علمهِ، فاعتقدَ قومٌ أنَّ النسخَ بَداءٌ (٣)؛ لِتَقَلُّبهِ وتنَقُّلِهِ، وأَطْلقَوا ذلكَ على اللهِ تعالى، وإنْ كانوا أرادوا بالبَداءِ هو أن يَظْهَرَ لهُ ما كانَ خَفِيًّا عليهِ؛ كما هُوَ حَقيقَةً في اللّسانِ، فذلكَ كُفْرٌ، تَعالَى اللهُ عَمَّا يَقولونَ (٤) عُلُوًّا كَبيراً، وإنْ كانوا أَرادوا تأويلاً آخَرَ، فهوَ ضَلالٌ مُبينٌ، نَسْألُ اللهَ الكَريمَ السَّلامَةَ مِنَ الزَّيغِ والضَّلالِ، والهدايةَ إلى الصِّراطِ المُستقيمِ بفَضْلِه ورَحْمَتِه.
ودَخَلَتِ الشُّبْهَةُ على قومٍ آخَرينَ، فاعتقدوا أنَّ القرآنَ مَخْلوقٌ، فنسألُ اللهَ الكريمَ الهدايةَ إلى الصِّراطِ المُستقيمِ بفضلِه ورحمتِه، إنهُ ذو الفَضْل العظيمِ.
* * *

(١) في "ب" "أظهرها" بدل "ابتدعها".
(٢) "الحكيم" ليس في "ب".
(٣) انظر الفرق بين النسخ والبداء في المصادر التالية: "اللمع" للشيرازي (ص: ١٢٠)، و "البرهان في أصول الفقه" للجويني (٢/ ١٣٠١)، و "الإحكام" للآمدي (٢/ ٣/ ١٢٠)، و "بيان المختصر" للأصفهاني (٢/ ٦٥٤)، و "البحر المحيط" للزركشي (٧٠٦٤)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ١٨٥).
(٤) في "ب": "يقول الظالمون".


الصفحة التالية
Icon