-رضيَ اللهُ عنه-؛ لأنَّ السُّنَّةَ مبينةٌ للقرآنِ؛ لقوله تعالى: -ayah text-primary">﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾ [النحل: ٤٤]، ولا يجوز أن يكون المبيَّن ناسخاً للمبيِّنِ.
وأُجيبَ عن ذلكَ: بأنَّ المنسوخَ من السُّنَّةِ بالكتابِ ليسَ هو المُبيِّنَ للكتابِ والمُفَسِّرَ له، إنَّما المنسوخُ الأمرُ والنَّهْيُ الواردُ في السُّنَّةِ. هكذا نُقِلَ المنعُ عنِ الشافعيِّ، وأطلقه جماعةٌ، وليسَ الأمرُ على الإطلاقِ؛ فالشافعيُّ -رضيَ اللهُ عنهُ- لا يقولُ: إِنَّ السُّنَّةَ لا تُنْسَخُ بالقُرْآنِ مُطْلَقاً، بل يجوزُ أن تنُسخَ بالقرآنِ؛ بشرطٍ، وهو أن يكونَ معَ القرآنِ سُنَّةٌ أخرى تخالِف السُّنَّةَ المنسوخةَ، وتوافقُ الآيةَ الناسِخَةَ (١)؛ ليتمَّ بيانُه -صَلَّى الله عليه وسلم - وموافقتُه أمرَ الله -جَلَّ جَلالُهُ-، ولا يوجدُ ناسِخٌ من القُرآنِ (٢) إلَّا ومعهُ سُنَّةٌ منَ النبيِّ - ﷺ - مقارِنةٌ لهُ، إمَّا قولٌ، أو فِعْلٌ، أو إِقرارٌ.
ومثالُ ذلكَ معاهَدَةُ النبيِّ -صَلَّى الله عليه وسلم - المُشْركينَ عامَ الحُدَيْبيَةِ أن يَرُدَّ إليهمْ مَنْ جاءهُ منهمْ، فأنزل اللهُ -عَزَّ وجَلَّ- مَنع رَدِّ النساءِ، فقَالَ: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ

= "الرسالة" للإمام الشَّافعي (ص: ١٠٨)، و "البرهان" للجويني (٢/ ١٣٠٧)، و "المحصول" للرازي (٣/ ٣٤٠)، و "الإحكام" للآمدي (٢/ ٣/ ١٦٢)، و "شرح مختصر الروضة" للطوفي (٢/ ٣٦٥)، و "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١١٨).
(١) قال الإمام الشَّافعي في "الرسالة" (ص: ١٠٨): وهكذا سنة رسول الله، لا ينسخها إلَّا سنةٌ لرسول الله، ولو أحدث الله لرسوله في أمر سنَّ فيه غير ما سنَّ رسولُ الله فيما أحدث الله إليه، حتَّى يبين للناس أن له سنة ناسخة للتي قبلها ممَّا يخالفها.
وقال أيضاً: (ص: ١١٠): فإن قال قائل: هل تنسخ السنةُ بالقرآن؟ قيل: لو نسخت السنة بالقرآن كانت للنبي - ﷺ - فيه سنة تبيّن أن سنته الأولى منسوخة بسنته الآخرة، حتَّى تقوم الحجة على النَّاس بأن الشيء ينسخ بمثله.
(٢) "من القرآن" زيادة من "ب".


الصفحة التالية
Icon