الوجْهَين، إن كانَ بياناً لنصٍّ في واجبٍ، كان واجبًا، وإن كان بَياناً لنصٍّ في مُسْتَحَبٍّ، كانَ مُسْتَحباً، وإن كانَ بياناً لمُجْمَلٍ مأمورٍ بهِ حَتْماً، كان واجِباً، وإن كانَ المأمورُ بهِ نَدْباً، كانَ مُسْتَحباً (١).
وأمَّا الوجهُ الثالثُ الذي قالَ بهِ أكثرُ أهلِ العلمِ، وهوَ أن يَفْعَلَ الشيءَ ابتداءً من غيرِ سَبَبٍ (٢)، فاختَلفَ أهلُ العلمِ فيهِ أيضاً على أربعة مذاهبَ (٣):
فمذهبُ مالِكٍ وأكثرِ أهلِ العراقِ وأبي سعيد الإصْطَخْريّ وأبي العباس ابن سُرَيْجٍ: أنَّه يُحْمَلُ على الوُجوب.
وقالَ قومٌ: يُحْمَلُ على النَّدْب، وهو قولُ الشَّافِعِيِّ.
وقال قومٌ: يُحْمَلُ على الإباحَةِ، ويُروى عن مالكٍ.
وقالَ قومٌ بالوقفِ، فلا يُحْمَلُ على الوجوبِ ولا على النَّدْبِ إلَّا بِدليلٍ، وهو قَوْلُ الصَّيْرَفيِّ، واختيارُ أبي إِسْحاقَ الشِّيرازِيِّ -رحمهُ اللهُ تعالى- (٤).

(١) انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: ١٤٣)، و "البرهان" للجويني (١/ ٤٨٨)، و "الإحكام" للآمدي (١/ ١/ ٢٢٨)، و "بيان المختصر" للأصفهاني (١/ ٢٧٨)، و "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١٨٠)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (٢/ ٨٢٤)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ٣٦).
(٢) أي: ولم تعلم الشرعيّة من وجوب أو ندب أو إباحة، وظهر فيه قصد القربة، والله أعلم.
(٣) انظر: "اللمع" للشيرازي (ص: ١٤٣)، و "البرهان" للجويني (١/ ٤٨٨)، و "المحصول" للرازي (٣/ ٢٢٩)، و "نهاية السول" للإسنوي (٢/ ٦٤٤)، و "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ١٨١)، و "الاستعداد لرتبة الاجتهاد" للمؤلف (٢/ ٨٢٥)، و "إرشاد الفحول" للشوكاني (ص: ٣٦)، و "مراقي السعود" (ص: ٢٦٠).
(٤) قلت: وقد بقي نوع من أنواع الأفعال لم يذكره المصنف وهو: الفعل الذي لم تعلم صفته الشرعيّة، ولم تظهر فيه قصد القربة.=


الصفحة التالية
Icon