وهي لا توجبُ القَطْعَ واليقينَ؛ خلافًا لبعضِ أصحابِ الحديثِ.
فإنَّ منهم من قال: ما تَجَلّى إسنادُه، أوجبَ العِلْمَ؛ كَمالِكٍ، عن نافعٍ، عنِ ابن عُمَرَ- رضي اللهُ عنهم-.
ومنهم منْ قالَ: ما حواه صحيحاً البُخاريِّ ومُسْلِمٍ يفيدُ العِلْمَ.
قال الشيخُ أبو عَمْرِو بنُ الصَّلاحِ وغيرُه: يُفيدُ العِلْمَ النَّظَرِيَّ لا الضَّرورِيَّ؛ لأنَّ الأمةَ أجمعتْ على أن ما فيهما ثابتٌ عنْ رسولِ اللهِ - ﷺ -، والأُمَّةُ مَعْصومَةٌ مِنَ الخَطَأ (١).
وأكثرُ المحقِّقينَ منَ الأصوليين وغيرهم على أن ذلكَ لا يفيد العلم (٢). وإحدى المُقَدّمتينِ في الاستدلالِ غيرُ مُسَلَّمَةٍ، فكأنهم يقولونَ: أجمعَتِ الأمَّةُ على وُجوبِ العَمَلِ بالظَّنِّ، وقد غلب على ظَنِّهِمْ أنَّ ما فيهما صحيحٌ،

=٢٢٦)، و "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: ٣٧٢)، و "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ٣٤٧)، و "التقرير والتحبير" لابن أمير الحاج (٢/ ٣٨١)، و "شرح الكوكب المنير" للفتوحي (٢/ ٣٦٧).
(١) انظر: "علوم الحديث" لابن الصلاح (ص: ٢٨).
(٢) اختلف العلماء في هذه المسألة على ثلاثة مذاهب:
الأول: يفيد العلم مطلقًا، وهي رواية عن أحمد، ونسب إلى الظاهرية، وقالت به طائفة من المحدثين وأهل الأثر، وبعض الحنابلة.
الثَّاني: لا يفيد العلم مطلقًا، بل يفيد الظن، وهو قول أكثر العلماء، وهي الرّواية الصحيحة عن أحمد.
الثالثْ يفيد العلم بالقرائن، ومن القرائن أن يخرِّجه البُخاريّ ومسلم، وبه قال الغزالي والرازي والطوفي وابن حجر، وغيرهم.
انظر: "المستصفى" للغزالي (١/ ٢٧٢)، و "المحصول" للرازي (٤/ ٢٨٢)، و "شرح تنقيح الفصول" للقرافي (ص: ٣٥٤)، و "البحر المحيط" للزركشي (٤/ ٢٦٢)، و "نزهة النظر" لابن حجر (ص: ٥٢)، و "شرح الكوكب المنير" للفتوحي (٢/ ٣٤٨).


الصفحة التالية
Icon