وكلُّها (١) لا تقومُ بها حُجَّةٌ، ولا يثبتُ لها حكمٌ عندَ جماهيرِ أهلِ العلم.
وذهب مالكٌ وأبو حَنيفةَ في آخرين إلى صِحَّةِ الاحتجاجِ بالمرسَلِ.
وأمَّا الشافعيُّ -رضيَ اللهُ تعالى عنُه- فقالَ في كتابهِ الجديدِ: المنقطعُ مختلِفٌ، فمن شاهدَ أصحابَ رسولِ اللهِ - ﷺ - من التّابعين، فحدَّثَ حديثاً منقطِعا عنِ النَّبي - ﷺ -، اعتُبِرَ عليهِ بأمور.
منها: أن يُنْظَرَ إلى ما أرسلَ من الحديثِ، فإن شاركه فيه الحُفَّاظُ المأمونونَ، وأَسْنَدوه إلى رسولِ اللهِ - ﷺ - بمِثْلِ معنى ما رَوى، كانتْ هذهِ دلالةً على صحَّةِ حفظِه.
وإن انفردَ بإرسالِ حديثٍ لم يشاركْهُ فيه غيرُه، قُبِل ما ينفردُ به، ويُعْتبَرُ عليه بأن يُنْظَرَ هلْ يوافِقُه مرسَلُ غيره ممَّن قُبِلَ عنهُ العلمُ في غيرِ رجالِه الذين قُبِلَ عنهم، فانْ وُجِدَ ذلك، كانتْ دلالةً تقوِّي مُرْسَلَهُ، وهي أضعفُ منَ الأُولى.
وإن لم يُوجَدْ ذلكَ، نُظِر إلى بعضِ ما رُوِيَ عن بعضِ أصحابِ رسولِ اللهِ - ﷺ - قولًا لَهُ، فإن وُجِدَ موافقاً ما رُوِيَ عن رسولِ اللهِ - ﷺ -، كانتْ في هذهِ دلالةٌ على أنَّه لم يأخذْ مُرْسَلَه إلَّا من أَصْلٍ يَصِحُّ، إنْ شاءَ اللهُ تعالى.
وكذلكَ إن وُجِدَ عَوامٌ من (٢) أهلِ العِلْمِ يُفتون بمثلِ معنى ما رُوي عن النبيِّ - ﷺ -، ثم يعتبرُ عليهِ بأنْ يكونَ إذا سَقَى مَنْ روى عنهُ، لم يكنْ مجهولاً، ولا مَدْفوعاً من الروايةِ عنه، فَلْيُستدلَّ بذلك على صِحَّة ما رواهُ، أو يكونَ إذا شاركَ أحدًا من الحفَّاظ في حديثٍ لم يخالِفْهُ، وإنْ خالفهُ،

(١) أي: المعضل، والمنقطع، والمرسل.
(٢) "من" ليست في "ب".


الصفحة التالية
Icon