جَلالُهُ- كما ذكره، وهدى إلى صِراطٍ مستقيمٍ كما وصف.
فلا تجدُ في القرآن فرضًا ولا حكمًا إلَّا وقد بينه - ﷺ -، فإنْ كان نصًّا، بيَّنَهُ كما نصَّه الله تعالى له، فإن كانَ أحكمَ اللهُ فرضَهُ، وجعل إليهِ بيانَه، فقد بينه، وبيَّن صفتَه، وكيفيته، وبين لنا سننًا وآدابًا تُكَمِّلُهُ، كفرض الصلاةٍ، والزكاةِ، والحجِّ، والنكّاحِ، والعدَّةِ، والرَّضاعِ. وبَيَّنَ عنِ الله تعالى فرضهُ ونَدْبَهُ وإرشادَهُ، وبيّنَ ناسخَ الكتابِ من منسوخِه، وغير ذلك.
ولما كان النبيُّ - ﷺ - في البيانِ عن الله، بهذا المَنْصِبِ الأعلى، ذهب أبو عبد الله الشافعيُّ -رضيَ اللهُ عنهُ- مذهبًا حسنا اخترناهُ لأنفسنا، وارتضَيناه لغيرنا، وهو أنه لا يوجد له سُنَّةٌ منسوخَةٌ بالكتِابِ العزيزِ إلا ومع الكتابِ سُنَّةٌ أخرى تبينُ أن سنَّته الأولى منسوخةٌ (١)؛ لما فرضَ عليه من البيانِ والاتّباع، فقال جَلَّ جلالهُ: ﴿وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ﴾ [الأحزاب: ٢]، ولئلَّا تدخُلَ الشُّبْهَةُ على أحدٍ من الناسِ إذا تعارضَتْ عندهُ السنةُ والكتابُ؛ كما أمرَ اللهُ سبحانَه بَغْسل الرِّجلينِ في الوضوء، ومسحِ النبيُّ - ﷺ - على الخُفَّيْنِ (٢)، فنقولُ: لعلَّ مسحَ النبيِّ - ﷺ - على الخفينِ كان قبلَ الأمرِ بَغْسلِ الرجلين، فتكونُ السُّنَّةُ (٣) منسوخةً بالكِتاب، فأقدِّمُ المقطوعَ بهِ على المَظْنون؛ فنقولُ: لو كانتِ السُّنَّةُ في ذلك منسوخةً بالكتاب، لبيَّنَ النبيُّ - ﷺ -

(١) انظر: "الرسالة" (ص: ١١٠)، و"اختلاف الحديث" (ص: ٤٨٥).
(٢) روى البخاري (٢٠٠)، كتاب: الوضوء، باب: المسح على الخفين، ومسلم (٢٧٤)، كتاب: الطهارة، باب: المسح على الخفين، عن المغيرة بن شعبة، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: أنه خرج لحاجته، فاتبّعه المغيرة بإداوة فيها ماء، فصب عليه حين فرغ من حاجته، فتوضأ ومسح على الخفين.
(٣) في "ب" زيادة "في ذلك".


الصفحة التالية
Icon