مالك -رضيَ الله تَعالى عنهُ- قال: كانَ رسولُ الله - ﷺ - إذا كانَ في سَفَرٍ، فأراد أن يصلِّيَ على راحلتِه، استقبلَ القِبْلَةَ، وكَبَّرَ، ثمَّ صلَّى حيث تَوَجَّهَتْ به (١).
* واختلفَ أهلُ العلمِ في القبلةِ التي كانَ النبيُّ - ﷺ - يصلي إليها، وهي بيتُ المَقْدِسِ، هل كانَ تَوَجُّهُهُ إليها بقرآنٍ؟ أو بغيرِ قرآن؟ وبعضُ المصنفين يقولُ: بوحيٍ من الله، أو باجتهادٍ منه؟
فقال قوم (٢): كان ذلكَ بقرآنٍ، ولهم من الأدلَّةِ قولُ الله عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١١٥] قيل: نزلت لما هاجر النبيُّ - ﷺ - إلى المدينة، وقال: "لا ندري أينَ نتوجَّهُ"، فأنزل الله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾ (٣) [البقرة: ١١٥].
قال عطاءٌ عن ابن عباس -رضيَ اللهُ عنهما- قال: أولُ ما نُسِخَ منَ القُرآنِ فيما ذكروا- واللهُ أعلمُ- شأنُ القِبْلَةِ، قالَ اللهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ

= روايتان عنه:
الأولى: يلز مه؛ للحديث المذكور.
والثانية: لا يلزمه؛ لأنه جزء من أجزاء الصلاة، فأشبه سائر أجزائها.
انظر: "المغني" لابن قدامة (١/ ٩٣ - ٩٥).
(١) رواه الدارقطني في "سننه" (١/ ٣٩٦) بهذا اللفظ.
وقد رواه مسلم أيضًا (٧٠٢)، كتاب: صلاة المسافرين وقصرها، باب: جواز صلاة النافلة على الدابة في السفر حيث توجهت.
(٢) هو قول ابن عباس، وابن جريج، وعليه الجمهور. انظر: "زاد المسير" لابن الجوزي (١/ ١٣٧)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ١٤٠).
(٣) لم أجده هكذا، وقد روى ابن جرير الطبري في "تفسيره" (١/ ٥٠٥)، وابن المنذر في "تفسيره" (١/ ٢٦٧ - الدر المنثور) عن مجاهد قال: لما نزلت {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾ قالوا: إلى أين؟ فأنزلت ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ﴾.


الصفحة التالية
Icon