للعفو إنما هو عن الجنايِة، وذلكَ -أيضاً- شائعٌ مستفيضٌ في ألفاظِ الكتابِ والسنَّةِ.
فإن قلتَ: فهلْ تجدُ في الكتابِ والسُّنَّةِ دليلاً على ترجيحِ المعنى الأولِ غيرَ الاستعمالِ؟
قلتُ: نعم، قالَ اللهُ تعالى في مثلِ حكمِ هذه الآيةِ في سورةِ المائدةِ: ﴿فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ﴾ [المائدة: ٤٥]. والمتصدِّقُ هو المجروحُ، أو وليُّ الدمِ، لا الجاني، بل الجاني متصدَّق عليه، فهوَ معفوٌّ له، بدليل قراءة أُبيٍّ (١) -رضي اللهُ عنهُ:- (فهو كفارته له) (٢). وبما روي عنه - ﷺ -: "من تَصَدَّقَ من جَسَدِه بشيءٍ، كَفَّرَ اللهُ عنهُ بقَدْرِهِ من ذنوبه" (٣). وثبت عنه - ﷺ - أنه قال: "ثمَّ أنتمْ يا خُزاعَةُ قد قتلتمْ هذا القتيلَ من هُذَيْلٍ واللهِ عاقِلُهُ، مَنْ قتلَ بعدَهُ قتيلاً، فأهلُهُ بين خِيْرَتَيْنِ: إن أحبُّوا أخذوا العَقْلَ، وإنْ أَحَبُّوا قَتَلوا" (٤).
(٢) "له" ليست في "أ". وانظر: "تفسير البيضاوي" (٢/ ٣٣٠)، و"روح المعاني" للألوسي (٦/ ١٤٩).
(٣) رواه النسائي في "السنن الكبرى" (١١١٤٦)، والضياء المقدسي في "الأحاديث المختارة" (٣٦٦)، عن عبادة بن الصامت.
(٤) رواه أبو داود (٤٥٠٤)، كتاب: الديات، باب: ولي العمد يرضى بالدية، والترمذي (١٤٠٦)، كتاب الديات، باب: ما جاء في حكم ولي القتيل في القصاص والعفو، والإمام الشافعي في "مسنده" (١/ ٢٠٠)، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (٣/ ١٧٤)، والطبراني في "المعجم الكبير" (٢٢/ ٤٨٦)، والدارقطني في "سننه" (٣/ ٩٥)، والبيهقي في "السنن الكبرى" (٨/ ٥٢)، عن أبي شريح الكعبي، وهذا لفظ البيهقي.