معه (١). وإنَّما كانوا يأخذون بالأحْدَثِ مِن أَمْرِ رسول الله - ﷺ -، وما روي: أنَّ عمرَ -رضيَ اللهُ عنه- أمرَ رَجُلاً صامَ في السفرِ أن يقضيَ الصِّيامَ (٢).
فإن قلتم: فما اختيارُك؟
قلت: ما عليه الأكثرُ من أهل العلم.
فإنْ قلتُم: فما الجوابُ عنْ هذه الأدلَّةِ القويَّةِ؟
قلت: أما الآيةُ، فإنها تحتمل الأمرين، فقوله: ﴿فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ﴾ [البقرة: ١٨٤] يحتملُ أن يكونَ للعزيمةِ، ويحتملُ أن يكونَ للرُّخْصَةِ، ودلَّ على أنه للرُّخْصَةِ تخييره لذوي الطاقة في الإفطار والصوم؛ فإن ذلك لمّا كانَ في آيةٍ واحدةٍ، دلَّنا على التَّخْييرِ والرُّخْصَةِ.
- وأما قوله - ﷺ -: "ليس من البرِّ الصِّيامُ في السَّفَرِ"، فالجوابُ عنهُ: أنَّ جابِرَ بنَ عبدِ الله -رضيَ اللهُ تعالى عنهما- روى هذا الحديث مفسّراً بسببهِ، وذكر أنَّ النبيَّ - ﷺ - رأى زِحاماً ورجلاً قد ظُلِّل عليه، فسأل عنهُ، فقيل له: صائم، فقال: "ليسَ من البرِّ الصيامُ في السَّفَر" (٣)، ويحتمل أن مرادَهُ ليسَ من الِبرِّ المفروضِ الذي مَنْ خالفه أَثِمَ.

= وانظر: "معجم ما استعجم" لأبي عبيد البكري (٤/ ١١١٩).
(١) رواه البخاري (١٨٤٢)، كتاب: الصوم، باب: إذا صام أياماً من رمضان ثم سافر، ومسلم (١١١٣)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر... ، وهذا لفظ مسلم.
(٢) انظر المسألة في: "أحكام القرآن" للجصاص (١/ ٢٦٥)، ، و"تفسير الرازي" (٣/ ٨٣)، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٢٦٠).
(٣) رواه مسلم (١١١٥)، كتاب: الصيام، باب: جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر.... وعنده: "أن تصوموا" بدل "الصيام".


الصفحة التالية
Icon