وقالَ في روايةِ البويطي: لا يجبُ إلا بشاهدين (١)، وبه قال مالك (٢)؛ لما رويَ عن عبدِ الرحمنِ بِن زيدِ بنِ الخَطَّابِ: أنه خاطبَ الناس في اليومِ الذي يُشَكُّ فيه، فقال: إني جالستُ أصحابَ رسولِ الله - ﷺ -، وسألتهم، وإنهم حدثوني أن رسولَ اللهِ - ﷺ - قال: "صوموا لرؤيته، وأفطروا لرؤيته، فإن غُمَّ عليكم، فأتموا ثلاثين، فإن شهدَ شاهدانِ فصوموا وأفطروا" (٣).
والعملُ بحديثِ ابنِ عباسٍ أَحْرى وأَولى؛ لأن دلالته نَصٌّ من النبيِّ - ﷺ -، ودلالةَ حديثِ عبدِ الرحمن مفهومٌ، ودلالةُ المفهومِ من أضعفِ الظواهر (٤)، فلا يُعارضُ بدلالةِ النصِّ؛ وللإجماع على العمل بخبرِ العدلِ في الأمور العامَّةِ والخاصَّةِ.
- ثم اختلفوا في آخره، هل هو كأوله، أو لا؟
فذهب عامَّتُهم إلى التفريقِ بينَ أولهِ وآخرِه، وأنهُ لا يُقْبَل في آخِره إلاّ عَدْلان.
وذهبَ أبو ثورٍ إلى أنه يُقبل فيه عدلٌ كأوَّله.
واختارهُ أبو بكرِ بنُ المنذرِ (٥)؛ وبه أقولُ؛ لما فيه من العملِ بقولِ الثقةِ،
(٢) انظر مذهب الإمام مالك في "المدونة" (١/ ٢٦٧)، و"مواهب الجليل" للحطاب (٣/ ٢٧٩).
(٣) رواه النسائي (٢١١٦)، كتاب: الصيام، باب: قبول شهادة الرجل الواحد على هلال شهر رمضان، ورواه النسائي -أيضاً- في "السنن الكبرى" (٢٤٢٦)، والإمام أحمد في "المسند" (٤/ ٣٢١)، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (٣٤/ ٣٦٥)، وانظر: "البدر المنير" لابن الملقن (٥/ ٦٤٣)، و"التلخيص الحبير" لابن حجر (٢/ ١٨٦).
(٤) في "أ":"ودلالة المفهوم أضعف من الظواهر".
(٥) انظر هذه المسألة في: "المدونة" (١/ ٢٦٧)، و"أحكام القرآن" لابن العربي =