فأقول: جمعتْ هذهِ الآيةُ أنواعاً من البَيانِ، وبعضُ هذهِ الأنواعِ أَجْلى من بعضٍ:
فأجْلاها: بَيانُ العِدَّةِ التي أوجبَها اللهُ منَ الثَّلاثِ والسَّبْع، وكانَ الأمرُ بَيِّناً مفهوماً أنَّ السَّبْعَ إذا ضُمَّتْ إلى الثلاثِ، كانَتْ عَشْراً، فزادَ اللهُ -سَبُحْانَهُ- في البيانِ تأكيداً ثانياً لدَفْعِ تَوَهُّمِ إيجابِ أحدِ العِدَّتَيْنِ، وأَنَّ الأُخْرى تَطَوُّعٌ، فَقَصَدَ التأكيدَ في البَيانِ، ولم يَقْصِدْ تعليمَ العربِ العَدَّ؛ إذْ لم يزالوا يعرفونَ أنَّ الثلاثَ إذا ضُمَّتْ إلى السَّبْعِ كانتْ عَشْراً.
ويليهِ في البَيانِ: ترتيبُ الهَدْي على التَّمَتُّعِ، والصِّيامِ على فقْدانِ الهَدْي؛ فإنَّ ترتيبَ الجَزاءِ على الشرطِ بَيِّنٌ في لسانِ العربِ (١)، وإنْ تخلَّف (٢) في بعضِ الأحوالِ؛ كما في قوله تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ﴾ [البقرة: ٢٣٠] وتراجُعُهُما جائزٌ وإنْ ظَنَّا أَلَّا يُقيما حدودَ اللهِ، ولكنَّ الشرطَ خرجَ على غالبِ الوُجودِ؛ فإنَّ المتفارِقَيْنِ لِعِلَّةٍ لا يَجْتمعان معَ وُجودها غالباً.
ويليهِ في البيَان: تخصيصُ هذا الحُكْمِ المذكور لغيرِ الحاضري المسجد الحرام؛ فإنه بيِّنٌ في لسانِ العربِ أن الأَلِفَ واللامَ يَقْتَضيان التَّخصيصَ، وبَيِّنٌ عندهم أنَّ ذلك إشارةٌ إلى الحكم المرتَّب على قوله: ﴿فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ﴾ [البقرة: ١٩٦] من وجوب الهَدْيِ، والصِّيامِ عندَ العَجْزِ.
ويليهِ في البيانِ: التَّعْميمُ في كُلِّ مَنْ تَمَتَّعَ بالعُمْرة؛ فإنهَ بَيِّنٌ في لِسانِ العربِ أَنَّ "مَنْ" تَصْلُحُ للعُمومِ والاسْتِغراقِ، ولولا صَلاحِيَةُ استغراقه، لَما
(٢) في "ب": "تختلف".