وهذا التأويلُ فاسدٌ؛ لمعارضةِ النصِّ الصَّريحِ في بيانِ النبيِّ - ﷺ - الخصوصية (١) بإحلالها لهُ ساعةً من نَهار، وتحريم ذلكَ على غيرهِ تحريمًا مطلقًا. فقال: "وإن أحدٌ ترخَّصَ لقِتال رسولِ اللهِ - ﷺ -، فقولوا: إن اللهَ أذِنَ لرسولهِ، ولم يأذنْ لكمْ" (٢)، والذي أذن فيه للرسول - ﷺ - إنَّما هو مطلقُ القتال لا القِتالُ المخصوص بالذي يَعُمُّ.
وأيضًا لم يكنْ قتالُهُ - ﷺ - لأهل مكة بما يَعُمُّ. وليس له في تأويله دليلٌ على تخصيص الحديث بما ذكر، بل الحديثُ نصٌّ في أنّ لمكَّةَ المعظَّمَةِ -عظَّمها اللهُ سبحانه- حرمةً مطلقة لا تقييد فيها، وبعيدٌ أن يصحَّ مثلُ هذا عن الإمامِ أبي عبدِ اللهِ الشافعي -رحمَهُ اللهُ تعالى-، وفي ظَنِّي أنه أجابَ عن الأحاديثِ في قتله للملتجئ إلى الحرم: بأن الذي نُهِيَ عنهُ القِتالُ العامُّ، لا القَتْلُ الخاصُّ بِحَقٍّ، فنُقِل مِن ثَمَّ إلى هُنا بالمعنى، ونُسِب إليه، والله -سبحانه- أعلم بذلك.
ثمَّ بعد كتبي (٣) لهذا الكتاب بثلاثة أحوال وجدْتُ قولَ الشافعيِّ كما ظننتُهُ، وبخلافِ ما نُقِلَ عنه، قال الربيعُ: قالَ الشافعيُّ: فلو أن قومًا من أهل دار الحرب لجؤوا إلى الحرم، أخِذوا كما يؤخَذون في غير الحرم، يُحْكم فيهم من القتلِ أو غيرِه كما يُحْكَم فيمن كان في غيرِ الحرم.
فإن قال قائل: فكيفَ زعمتَ أنَّ الحرم بحالي لا يمنعُهم، وقدْ قالَ رسولُ الله - ﷺ - في مكة: "هي حرامٌ بحرمة الله، لم تَحِلَّ لأَحدٍ قبلي، ولا تحلُّ لأحدٍ بعدي، ولم تحلَّ لي إلا ساعةً من نهار، وهي ساعتنا هذه"؟ (٤)
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) "كتبي" زيادة من "أ".
(٤) تقدم تخريجه.