الناس عليها، وقال: "إن الله يُحِلُّ لرسوله ما شاءَ بما شاء، وإن القرآن قد نزل منازلَه، فأتِمُّوا الحجَّ والعمرةَ كما أمركم اللهُ - تَعالى -، فافْصِلوا حجَّكم عن عُمْرتكم؛ فإنه أَتَمُّ لحِجِّكُمْ، وأتَمُّ لعمرتكم" (١).
فتوهَّمَ نزول القرآن منازله ناسخاً للسنَّةِ، وليسَ كذلك.
وإنما أرادَ عمر -رضي اللهُ تعالى عنه - أنَّ اللهَ - سبحانه - أباحَ ذلك لنبيِّهِ محمدٍ - ﷺ - لأجلِ مخالَفَةِ الجاهليَّةِ من تحريمِهم العمرةَ في أشهرِ الحَجِّ، وَجَعْلَهم ذلكَ من أفجر الفجور، فأمَر النبيُّ - ﷺ - أصحابَه بفَسْخ الحَجِّ إلى العمرة؛ ليعلموا جَوازَ ذلك، ففِعْلُهُ - ﷺ - لعِلَّةٍ، وقد زالتِ العِلَّةُ، فزال هذا الحكمُ لزوالها، وبقي ظاهرُ القرآن على إطلاقه ومقتضاهُ، فلا يجوزُ لمن بعدهم أن يفسخَ الحجَّ إلى العمرةِ.
- وقد منعَ فسخَ الحجِّ إلى العمرةِ: أبو بكرٍ وعثمانُ وعليٌّ -رضي الله تعالى عنهم -، وتبعَهم جماهيرُ أهلِ العلم من السلف والخلف.
وبه قالَ مالكٌ والشافعيُّ وأبو حنيفةَ (٢).
ولهم من الدليل: حديثُ أبي ذَرٍّ -رضيَ الله عنه -: كانت المتعةُ في الحجِّ لأصحاب محمد - ﷺ - خاصَّةً. وفي رواية: "رُخْصَةً"، يعني: فسخ الحج إلى العمرة (٣).
وفي النسائي، عن الحارث بن بلالٍ، عن أبيه قال: قلت:
(٢) انظر: "شرح مسلم" للنووي (٨/ ١٦٩)، و"المجموع" له أيضاً (٧/ ١٦٢)، وانظر: "التمهيد" لابن عبد البر (٨/ ٣٥٨)، و"المغني" لابن قدامة (٥/ ٢٥٢).
(٣) رواه مسلم (١٢٢٤)، كتاب: الحج، باب: جواز التمتع.