والإحصارُ هو المنعُ، وهو اسمٌ مشترَكٌ يقع على المنعِ من العدوِّ، وعلى المنع بغيره.
فقال الأزهريُّ: قال أهل اللغة: يقالُ لمنْ منعهُ خوفٌ أو مرضٌ من التصرفِ: أُحْصِرَ، فَهُو مُحْصَرٌ، ولمن حُبِسَ: حُصِرَ، فهو مَحْصورٌ (١).
وكذا قاله الزَّجّاجُ عن أهل اللغة (٢).
وقال - أيضاً - هو وثعلبٌ والفَرَّاءُ: أُحْصِرَ وحُصِرَ، لغتان (٣).
والمرادُ بهِ في هذه الآيةِ حَصْر العَدُوِّ؛ لقوله تعالى: ﴿فَإِذَا أَمِنْتُمْ﴾ [البقرة: ١٩٦]، ولذكْر المرضِ بعده.
قال الشافعيُّ -رضي الله تعالى عنه -: لم أسمعْ ممَّنْ حفظتُ عنهُ من أهلِ العلمِ في التفسيرِ مُخالفاً أَنَّ هذه الآيةَ نزلتَ بالحديبيةِ حين أُحْصِرَ رسولُ اللهِ - ﷺ - بالحديبية، وحلقَ ورجعَ ولم يَصِلْ إلى البيتِ، ولا أصحابُه، إلا عثمانَ بنَ عفانَ رضيَ الله تعالى عنهم (٤).
وزعم قومٌ أنَّ المرادَ به حَصْرُ المرضِ، وزعموا أنه لا يُقال: أُحْصِر، في العدوِّ، وإنما يقالُ ذلك في المرضِ، فيقال: أَحْصَرَهُ المرضُ، وحَصَرَهُ العدوُّ، وهذا قولُ الأخفشِ وابنِ السِّكِّيتِ من علماءِ اللغة (٥).
(٢) انظر: "معاني القرآن" للزجاج (١/ ٢٦٧).
(٣) انظر: "معاني القرآن" للفراء (١/ ١١٧)، وانظر ما ذكر في معاني الإحصار: "تفسير الطبري" (٢/ ٢١٣)، و"النهاية في غريب الحديث" لابن الأثير (١/ ٣٩٥)، و"لسان العرب" لابن منظور (٤/ ١٩٣) (مادة: حصر).
(٤) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ١٥٨)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (٥/ ٢١٤).
(٥) انظر: "إصلاح المنطق" لابن السكيت (ص: ٢٣٠). وانظر: "تهذيب اللغة" للأزهري (٤/ ١٣٣)، و "تاج العروس" للزبيدي (١١/ ٢٥).