فإن قيل: فإذا تحلَّلَ المُحْصَرُ كما أباحَ اللهُ - سبحانه - له، فهل يجبُ عليه القضاءُ، أولا يجبُ إلَّا قضاءُ حجَّةِ الإسلامِ؟
قلت: الظاهرُ من الآية أنه لا قضاءَ عليه؛ لأن الله - سبحانه - لم يذكر قضاءً، والقضاءُ لا يجبُ إلا بأمر ثانٍ عند الأكثرينَ من أهلِ العلمِ بالنظرِ وشرائِط الاستدلال.
قال الشافعيُّ: والذي عُقِلَ في أخبار أهل المغازي شبيهٌ بما ذكرتُ من ظاهر الآية، وذلك أَنّا قد علمْنا في متُواطئ أحاديثِهم أنه كان مع رسول الله - ﷺ - (١) عام الحُدَيبيةِ رجالٌ معروفونَ بأسمائهم، ثم اعتمرَ رسولُ الله - ﷺ - عمرةَ القضية، وتخلَّف بعضُهم بالمدينة من غير ضرورةِ نفسٍ ولا مالٍ علمتُه، ولو لزمهم القضاءُ لأمرهم رسولُ الله - ﷺ - إن شاء الله تعالى - ألاّ (٢) يتخلفوا عنه (٣).
وأيضاً (٤) لم نعلم أن رسولَ الله - ﷺ - أمرَ أحداً ممَّن كان معه أن يقضيَ شيئاً، ولو كانَ لنقِلَ وعُلم.
وهذا مذهبُ ابنِ عبّاس وابن عمرَ -رضي الله تعالى عنهم - وبه قالَ مالكٌ (٥).
وهو أحبُّ إليَّ؛ لما قدمتُه، ولكونه أشبهَ بالأصول؛ فإنه من دخل في
(٢) في "ب": "بألاّ".
(٣) انظر: "الأم" للإمام الشافعي (٢/ ١٥٩)، و "السنن الكبرى" للبيهقي (٥/ ٢١٨).
(٤) "أيضاً" زيادة من "ب".
(٥) وهو قول الحنابلة. انظر: "حاشية الدسوقي" (٢/ ١٤٨)، و "المجموع" للنووي (٨/ ٢٩٦)، و "المغني" لابن قدامة (٥/ ٢٠٠). وانظر: "الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي (١/ ٢/ ٣٥٠).