وحملوا الحديث على نفي الإثم عن الجاهلِ والناسي؛ بدليل ما رواه عبدُ الله بنُ عمرٍو -رضيَ الله تعالى عنهما - قال: وقفَ رسولُ اللهِ - ﷺ - للناس بِمِنًى، والناسُ يسألونه، فجاءه رجلٌ وقال: يا رسول الله! لم أكنْ أشعُرُ أن الرَّميَ قبلَ النحرِ، فنحرت قبلَ الرمي، فقال رسول الله - ﷺ -: "ارمِ ولا حَرَجَ"، قال: وطفق آخر يقول: إني لم أشعرْ أن النحرَ قبل الحلق، فحلقتُ قبلَ أن أنحر، فقال: "انحَرْ ولا حَرَجَ" قال: فما سمعتُهُ سُئِل يومئذٍ عن أمرِ شيءٍ ممّا يَنْسى المرءُ ويجهلُ من تقديمِ بعض الأمورِ قبل بعضٍ وأشباهها إلا قال رسول الله - ﷺ -: "افعلوا ذلك ولا حرج" (١).
وذهب أبو حنيفةَ إلى أنه إن حلقَ قبلَ أن يذبحَ أو يرميَ، لزمَهُ دمٌ إنْ كانَ مُفْرِداً، و (٢) دَمانِ إن كانَ قارِناً ومُتَمَتِّعاً (٣).
والصحيحُ هو الأولُ؛ لأنه لو وجبَ الدمُ لبيَّنَهُ النبيُّ - ﷺ -؛ لأنه وقتُ الحاجةِ، وتأخيرُ البيانِ عن وقتِ الحاجةِ غيرُ جائزٍ.
وأما حديثُ عبد الله بنِ عَمرٍو، فإنه، وإن وردَ في الناسي والجاهل، فلا يدلُّ على منعِه في العامدِ، والله أعلم.
* وخص اللهُ سبحانه النهيَ بحلقِ الرأسِ:
فيحتمل أن يكونَ التخصيصُ للتقييد، فيدل الخطابُ بمفهومه على إباحة سائِرِ شعرِ البدنِ.
ويحتمل أن يكونَ للتعريفِ لا للتقييد، فيلحق بشعر الرأس سائرُ الشعور.
(٢) في "ب": "أو" بدل "و".
(٣) وهو المذهب. انظر: "اللباب" للغنيمي (١/ ١/ ١٨٦).