اجْتَمَعا، فَفُضِّلَ الأَبُ والابْنُ بِثُلُثَيِ الميراثِ لِكمالِهِمْ، فَكَذلكَ فُضِّلَتِ الزوجةُ على الخادِمِ.
ومن هذا النوع تقديرُ الشافعيِّ -رحمهُ اللهُ تعالى- في حَلْقِ الشَّعْرَةِ الواحِدَةِ مُدًّا، وفي الشَّعرتين مُدَّيْنِ، وفي الثَّلاثِ فصاعِداً دَمٌ، كأنَّه رَأى أنَّ الثَّلاثَ جماعُ الشَّعْرِ، فهو حدُّ الكَثْرَةِ، ففيها ما في أَكْثَرِ الكَثيرِ، ورأَى أن الشعرةَ الواحدةَ لا يُمْكِنُ إبْطالُ حُكْمِها؛ إذْ إتلافُها في الإحرامِ محظورٌ كإتلافِ الشَّعرِ الكثيرِ، ولا يمكنُ تسويتُها بالكثير، فاحْتيجَ إلى ما يُفرِّقُ بينَ القليلِ والكثيرِ، فرَجَعَ في القليلِ إلى أقلِّ ما وُجِدَ مُقَدَّراً، وذلك مُدٌّ، وعلى هذا تَرْكُ حَصاةٍ ومبيتِ ليلة من ليالي منى ورمي الجمار.
٤ - ومثالُ ما لم يوجَدْ له أصلٌ في التقدير يُرَدُّ إليه، وأُخِذَ بيانهُ من الأمرِ الذي قُصِدَ لهُ: قولُ اللهِ -تبارَكَ وتَعالى- ﴿وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ﴾ [المجادلة: ٣].
فذهبَ الجُمهورُ إلى أن المَعيبَ (١) لا يُجْزئ، فقيَّدوا إطلاقَ الآيةِ، واتفقوا على الفرقِ بينَ العيب الكثيرِ، فيضُرُّ، واليسير، فلا يَضُرُّ، وإنِ اختَلَفوا في تعيينهِ، وليسَ لذلكَ نظير في المُقَدَّراتِ فيرجعُ إليهِ، فأُخِذَ بيانهُ من مَعْناه، فنُظِرَ (٢) إلى العتقِ، فوُجد معناهُ أنه يملكُ العبدُ منافعَ نفسِه، فدلَّهم ذلكَ على أنَّ كلَّ عَيْبٍ يَضُرُّ بالمنافِعِ إضراراً بَيِّناً، فإنه لا يُجْزِئُ؛ لأنه يُسْقِط فائِدَةَ العِتْقِ، وما لاَ يَضُرُّ بالعَمل إِضراراً بيِّناً، فإنه يُجزئُ؛ لوجود معنى العتقِ.
ولنا أن نقولَ: بل لهُ نَظَيرٌ يعتبرُ بهِ، وهو الهَدايا والضَّحايا.

(١) المراد بالمعيب: هو الرقبة التي تعتق في هذا الحكم، فإنها لا تجزئ أن تكون معيبة.
(٢) في "ب": "فنظروا".


الصفحة التالية
Icon